اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 88
فطن به فقال: أنا أتحرز في أمره من أن يظهر فواعده في ذلك ومضى إلى جميل فأخبره بالقصة فأتيا الرجل ليلا فأقاما عنده وأرسل على بثينة بوليدة له بخاتم جميل فدفعته إليها فلما رأته عرفت فتبعهتا وجاءته فتحدثا ليلتهما وأقام بموضعه ثلاثة أيام ثم ودعها وقال لها: عن غير قلى والله ولا ملل يا بثينة كان وداعي لك ولمني قد تذممت من هذا الرجل الكريم وتعريضه نفسه لقومه, وقد أقمت عنده ثلاثا ولا مزيد ذلك, ثم انصرف وقال في عذل روق له:
لقد لامني فيها أخ ذو قرابة ... حبيب إليه في ملامته رشدي
وقال أفق حتى متى أنت هائم ... ببثينة فيها قد تعيد وقد تبدي
فقلت له فيها قضى الله ما ترى ... علي وهل فيما قضى الله من رد
فإن يك رشدا حبها أو غواية ... فقد جئته ما كان مني على عمد
لقد لج ميثاق من الله بيننا ... وليس لمن لم يوف لله من عهد
فلا وأبيها الخير ما خنت عهدها ... ولا لي علم بالذي فعلت بعدي
وما زادها الواشون إلا كرامة ... علي وما زالت مودتها عندي
أفي الناس أمثالي أحب فحالهم ... كحالي أم أحببت من بينهم وحدي
وهل هكذا يلقى المحبون مثل ما ... لقيت بها أم لم يجد أحد وجدي
قيل: وقع بين بثينة وجميل هجر في غيرة كان غار عليها من فتى كان يتحدث إليها من بني عمها, فكان جميل يتحدث إلى غيرها, فيشق ذلك على بثينة وعلى جميل, وجعل كل واحد منهما يكره أن يبدي لصاحبه شأنه, فدخل يوما وقد غلب عليه الأمر إلى البيت الذي كان يجتمع فيه مع بثينة, فلما رأته جاءت إلى البيت ولم تبرز له, فجزع لذلك وجعل كل واحد منهما يطالع صاحبه وقد بلغ الأمر من جميل كل مبلغ فأنشأ يقول:
لقد خفت أن يغتالني الموت عنوة ... وفي النفس حاجات غليك كما هيا
وإني لتثنيني الحفيظة كلما ... لقيتك يوما أن أبثك ما بيا
ألم تعلمي يا عذبة الريق أنني ... أظل إذ لم أسق ريقك صاديا
فرقت له بثينة وقالت لمولاة لها كانت معها: ما أحسن الصدق بأهله. ثم اصطلحا فقالت له: أنشدني قولك:
تظل وراء الستر ترنو بلحظها ... إذا مر من أترابها من يروقها
فأنشدها إياها فبكت وقالت: كلا يا جميل ومن ترى أنه يروقني غيرك.
وروى بعضهم عن عجوز من بني عذرة قالت: كنا على ماء لنا بالجناب وقد تجنبنا الجادة لجيوش كانت تأتينا من قبل الشام تريد الحجاز وقد خرج رجالنا لسفر وخلفوا معنا أحداثا فانحدروا ذات عشية إلى صرم قريب منا يتحدثون على جوار منهم فلم يبق غيري وغير بثينة إذا انحدر علينا منحدر من هضبة تلقانا فسلم ونحن مستوحشون وجلون فتأملته ورددت السلام فإذا جميل فقلت: أجميل؟ قال: أي والله, وإذا به لا يتماسك جوعا فقمت على قعب لنا فيه أقط مطحون وإلى عكة فيها سمن ورب, فعصرتها على الأقط ثم أدنيتها منه وقلت: أصب من هذا فأصاب منه وقمت إلى سقاء فيه لبن فصببت عليه ماء باردا فشرب منه, وتراجعت نفسه فقلت له لقد بلغت ولقيت شرا فما أمرك؟ قال: أنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاث ما أريمها أنتظر أن أرى فرجة فلما رأيت منحدر فتيانكم أتيتكم لأودعكم, وأنا عامد إلى مصر فتحدثنا ساعة, ثم ودعنا وشخص فلم تطل غيبته أن جاء ناعيه.
روي عن رجل كان شاهد جميلا لما حضرته الوفاة بمصر قال: إنه دعاه فقال: هل لك في أن أعطيك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئا أعهده إليك؟ قال: فقلت: اللهم نعم, قال: إذا أنا مت فخذ حلتي هذه التي في عيبتي فاعزلها جانبا, ثم كل شيء سواها لك, وارحل على رهط بني الأحب من عذرة - وهم رهط بثينة- فإذا
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 88