responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 509
والنسيان. والظاهر أن اعتقاده في المرأة منقول أصلا عن ألسنة العامة, فلما تحرك في أقوال العلماء وغاص على أداتهم لم يلتقط منها إلا ما أيد ذلك الاعتقاد المتداولة خلفا عن سلف, وأغفل ما يؤيد خلافه وكم من مرة زل العلماء وضل الفقهاء من تأثير الأوهام المتوارثة والأغلاط السائرة, ولولا ذلك لكان من المحال أن يرضى حضرة الدكتور الفاضل بما في خطبته من الانحراف والإجحاف كما سنرى.
أولا: إن القسم الأول من المقالة المذكورة مقصور على إثبات أن الذكور من الحيوانات العالية أشد من الإناث وأن الرجل أضخم من المرأة جثة وأكبر جمجمة وأثخن عظما, وأقسى عضلا, وأنضر سحنة. ودمه أثقل نبضانا وأغلظ قوما وجسده أكثر فسادا وانحلالا إذ يفرز من الحامض الكربونيك أكثر مما تفرز هي وغير ذلك مما يدل على أن الرجل أشد من المرأة. وما لبث أن جعل هذه الأوصاف دليلا على الشدة حتى انتقل إلى جعلها امتيازا يمتاز بها الرجل ولم يؤيد هذا الامتياز بأن حضرة الدكتور يذكر مقابله امتياز المرأة على الرجل بالجمال واعتدال القوام ولطف التركيب والغضاضة والبضاضة ونحوها من الأوصاف التي تميزها عليه كما هو مسلم به إجماعا أيضا لأنه إن كانت ضخامة الجسم والقوة الوحشية تعدان امتيازا للرجل من وجه فلطف القد وحسن الخلق يعدان امتيازا للمرأة من أوجه, والإنصاف يقتضي ذكرهما عند ذكر غيرهما. لكن حضرة الدكتور أغفلهما تمام الإغفال.
ثم إنه ذكر تقوس القدم في الرجل وانبساطها في المرأة دليلا على ارتقائه في الخلق أكثر منها وكذلك يزرر ثيابه عن اليمين وهي تزررها عن اليسار وكذلك بطء نموه وسرعة نموها إلى غير ذلك من الأدلة التي لم يسلم بصحة مدلولها واحد حتى ينفيها آحاد وترك الأمر والإنصاف يقتضي ذكر الأمر المقرر قبل الشواهد التي لم تثبت صحتها ولا صحة ما يشتهد عليه بها.
ثانيا: إن فحوى القسم الثاني من مقالة حضرة الدكتور هي إثبات أن الرجل أعظم عقلا وإدراكا من المرأة. وقد عدد فيه القوى العقلية التي زعم أن الرجال يفوقون فيها النساء ولم يذكر للنساء قوة يفقن فيها والذي أعلم أن كل الباحثين (حتى الذين بحثوا قديما عما إذا كان للمرأة نفس) لم ينكروا أن المرأة تفوق الرجل في بعض القوى العاقلة مثل الإدراك عن طريق الحواس المعروف بالشعور وسلامة البداهة والذوق العقلي, ثم إن حضرته يبني حكمه بصغر عقل المرأة عن عقل الرجل بكون دماغه أثقل من دماغها.
ولما كان لا يحق لي الاعتراض في معرض مثل هذا فحسبي أن أسأل جنابه هل يعتبر ثقل الدماغ دليلا قاطعا على كبر العقل لأن الذي نعلمه (وهو مأخوذ عن أحدث مناقشة للعلماء في هذا الشأن) إن كبر العقل بمعزل عن ثقل الدماغ فقد يكون الإنسان من أعقل أهل زمانه ودماغه خفيف جدا أو متوسط في الثقل وقد يكون من أصغر الناس عقلا ودماغه ثقيل جدا, ولذلك لا تقنع عقولنا القاصرة بأن ثقل الدماغ دليل كبر العقل حتى يتبين لنا ذلك بالبرهان القاطع.
ثالثا: إن معظم الإحجاف كان في كلام حضرة الدكتور عن آداب المرأة وفضائلها. وهنا لا أخشى أن أخالف

اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 509
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست