اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 464
إبله ليبيعها, فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه.
ثم قال له: ائتني غداً في دار كثير بن الصلت أقبضك الثمن فجاء وطرق الباب فأدخله وقد صنع له طعاماً وقام لبعض حاجاته فقالت لبنى لخادمتها" سليه ما بال وجهه متغيراً شاحباً فتنفس الصعداء.
ثم قال: هكذا حال من فارق الأحبة. فقالت: استخبريه عن قصته فاستخبرته فشرع يحكي أمره فرفعت الحجاب وقالت: حسبك قد عرفنا حالك فبهت حين عرفها ساعة لا ينطق بلفظ.
ثم خرج لوجهه فاعترضه الرجل وقال: مالك؟ عد لتقبض مالك, وإن شئت زدناك فلم يكلمه ومضى فدخل على لبنى فقالت له: ما هذا إنه لقيس! فحلف أنه لا يعرفه. وأنشد قيس معاتباً لنفسه:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت ... فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل ... إذا فكرة منها على القلب تخطر
وقصد قيس معاوية فمدحه فرق له وكان قد أهدر دمه فقال له: إن شئت كتبت إلى زوجها بطلاقها فقال: لا, ولكن إئذن لي أن أقيم ببلدها ففعل فنزل حين زال هدر دمه بحيها, وتضافرت مدائحه فيها حتى غنى بها معبد والغريض وأضرابهما, وقد قصد قيس أبن أبي عتيق وكان أكثر أهل زمانه مروءة فجاء ابن أبي عتيق إلى الحسن والحسين وأعلمهما أن له حاجة عند زوج لبنى وطلب أن ينجداه عليه فمضيا معه حتى اجتمعوا به وكلموه في طلب ابي أبي عتيق وهم لم يعلموا الغرض قال: سلوا ما شئتم. فقال ابن أبي عتيق: أهلاً كان أو مالاً؟ قال: نعم. فقال: أريد أن تطلق لبنى ولك ما شئت عندي. فقال: أشهدكم أنها طالق. فاستحيوا منه وعوضه الحسن مائة ألف درهم وقال له: لو علمت الحاجة ما جئت, ونقلت إلى العدة وعاتبت لبنى قيساً على تزويجه الفزارية فحلف لها أن عينيه لم تكتحل برؤيتها ولم يكلمها لفظة واحدة, وأنه لو رآها لم يعرفها وأخبرته أنها كارهة زوجها وأعلمته أنها لم تتزوج به رغبة فيه بل شفقة على قيس حين أهدر دمه ليخلي عنها, وتوفيت لبنى في العدة سنة 33هـ وإن قيساً حين بلغه ذلك خرج حتى وقف على قبرها وأنشد:
ماتت لبينى فموتها موتي ... هل ينفعن حسرة على الفوت
إني سأبكي بكاء مكتئب ... قضى حياة وجداً على ميت
ثم بكى حتى أغمي عليه فحمل ومات بعد ثلاث ودفن إلى جانبها وله فيها أشعار كثيرة منها:
إذا خدرت رجلي تذكرت من لها ... فناديت لبنى باسمها ودعوت
دعوت التي لو أن نفسي تطيعني ... لفارقتها في حبها فقضيت
برت نبلها للصيد لبنى وريشت ... وريشت أخرى مثلها وبريت
فلما رمتني أقصدتني بنبلها ... وأخطأتها بالسهم حين رميت
وفارقت لبنى ضلة فكأنني ... قرنت إلى العيوق ثم هويت
فيا ليت أني مت قبل فراقها ... وهل ينفعن بعد التفرق ليت
فوطن لهلكي منك نفساً فإنني ... كأنك بي قد يا ذريح قضيت
وقال أيضاً:
عيد قيس من حب لبنى ولبنى ... داء قيس والحب صعب شديد
فإذا عادني العوائد يوماً ... قالت العين لا أرى من أريد
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 464