اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 349
حضرت حرب صفين وألفت الخطب البليغة فمما قالته وهي واقفة بين الصفين تحرض جيش علي بن أبي طالب:
أيها الناس، عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إن الجنة لا يرحل من أوطنها ولا يهرم من سكنها، ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها، وكونوا قوما مستبصرين في دينكم بالصبر على طلب حقكم، إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب، غلف القلوب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله إياكم والتواكل في ذلك ينقض عز الإسلام ويطفئ نور الحق هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى، يا معشر المهاجرين والأنصار، امضوا على بصيرتكم واصبروا على عزيمتكم فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع صقع البعير هذا وقد انكفأ عليها العسكران يقولون: هذه عكرشة بنت الأطروش فلنطرب القلوب بدر ألفاظها.
ووفدت على معاوية فسألته رد الصدقات فقالت: إن صدقاتنا كانت تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا وأنا قد فقدنا ذلك، قال: وما يصنع الوالي؟ قالت: فما يجبر لنا كسير ولا ينعش لنا فقير، فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك ينبه عن الغفلة ويراجع التوبة وإن كان عن غير رأيك فما مثلك استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة.
قال معاوية: يا هذه، إنه ينوبنا من أمور رعيتنا أمور تنبثق، وبجور تندفق، قالت: يا سبحان الله والله ما فرض لنا حقا فيجعل فيه ضررا على غيرنا، وهو علام الغيوب.
قال معاوية: يا أهل العراق نبهكم علي بن أبي طالب فلم تطاقوا، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم وأنصفها وذهبت وهي مكرمة وبقيت عزيزة في قومها إلى أن توفاها الله تعالى.
علية ابنة المهدي العباسية
أخت هارون الرشيد أمير المؤمنين الخامس العباسي، كانت من أحسن نساء زمانها وجها، وأظرفهن خلقا، وأوفرهن عقلا، ذات صيانة وأدب بارع، تزوجها موسى بن عيسى العباسي وكان الرشيد يبالغ في إكرامها واحترامها. ولها ديوان شعر عاشت خمسين سنة، وتوفيت سنة 210 هجري وكان سبب موتها أن المأمون سلم عليها وضمها إلى صدره وجعل يقبل رأسها ووجهها مغطى، فشرقت من ذلك وحمت وماتت لأيام يسيرة، وكانت تتغزل في خادمين أحدهما طل والآخر رشأ، فمن قولها في طل، وصفحت اسمه:
أيا سروة الفتيان طال تشوقي ... فهل لي إلى ظل لديك سبيل
متى يلتقي من ليس يقضي خروجه ... وليس لمن يهوى إليه وصول
وقالت أيضا:
سلم على ذاك الغزال ... الأغيد الحسن الدلال
سلم عليه وقل له ... يا غل ألباب الرجال
خليت جسمي ضاحيا ... وسكنت في ظل الحجال
وبلغت مني غاية ... لم أدر منها ما احتيال
فبلغ الرشيد ذلك فحلف أنها لا تذكره ثم سمع عليها يوما فوجدها وهي تقرأ القرآن في آخر سورة البقرة حتى بلغت قوله تعالى (فإن لم يصبها وابل) (البقرة: 265) فما نهى عنه أمير المؤمنين، فدخل الرشيد وقبل رأسها وقال لها: قد وهبتك طلا ولا منعتك بعدها عما تريدين.
وكانت من اعف الناس كانت إذا طهرت لازمت المحراب
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 349