اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 344
ومن غريب الإنفاق أن كثيرا له غلام يتجر على العرب فأعطى النساء إلى أجل، فلما اقتضى ما له منهن ما طلته عزة فقال لها يوما - وقد حضرت في نساء - أما آن أن تفي بما عندك؟ فقالت: كرامة لم يبق إلا الوفاء فقال: صدق مولاي حيث يقول: قضى كل ذي دين البيت. فقلن له: أتدري من هي غريمتك؟ فقال: لا أدري. قلن هي والله عزة فقال: أشهدكن علي أنها في حل مما عندها ومضى فأخبر مولاه بالحكاية فقال: وأنت حر وما عندك لك وكان الذي عنده ألف دينار وأنشد:
سيهلك فيا لدنيا شفيق عليكم ... إذا غاله من حادث الدهر غائله
يود بأن يمسي سقيما لعلها ... إذا سمعت عنه بشكوى تراسله
ويهتز للمعروف في طلب العلا ... لتحمد يوما عند عز شمائله
ودخلت عزة على عبد الملك بن مروان فقال لها أتروين قول كثير:
لقد زعمت أني تغيرت بعدها ... فمن ذا الذي يا عز لا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالتي ... عهدت ولم يخبر بسرك مخبر
فقالت: لا أدري هذا ولكن أروي قوله:
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت
فضحك من ذلك واتفق أن عزة خرجت إلى مكة مع زوجها وكان كثير في ذلك العير، فلما كان في أثناء الطريق مرت بجمل له فسلمت على الجمل فبلغ كثيرا ذلك فجاء إلى الجمل فحله وأطلقه من الحمل وأنشد:
حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت ... فحي ويحك من حياك يا جمل
لو كنت حييتها ما زلت ذائقه ... عندي ولا مسك الإدلاج والعمل
ليت التحية كانت لي فأشكرها ... مكان يا جمل حييت يا رجل
ثم اتفق أن زوجها أمرها أن تستعطي سمنا فلقيها كثير فأخبرته بحاجتها فأخرج إداوة سمن وجعل يسكب في إناء عزة وهما يتحدثان فلم يشعر حتى غرقت أرجلهما، فلما رجعت أنكر زوجها كثرة السمن وأقسم عليها فأخبرته فحلف ليضربنها أو لتخرجن فتشتم كثيرا بحيث يسمعها ففعلت فأنشد كثير:
يكلفها الخنزير شتمي وما بها ... هوائي ولكن للمليك استذلت
هنيئا مرئيا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
ودخلت عليه وهو يبري سهاما، فجعل ينظر إليها ويبري ساعدته فدخلت ومسحت الدم بثوبها.
وتوفيت عزة سنة أربع ومائة ورثاها كثير بأبيات منها، وقد سأل عبد العزيز أن يرشده إلى قبر عزة، فلما وقف عليه أنشد:
وقفت على ربغ لعزة ناقتي ... وفي البر رشاش من الدمع يسفح
فيا عز أنت البدر قد حال دونه ... رجيع تراب والصفيح المضرح
وقد كنت أبكي من فراقك خيفة ... فهذا لعمري اليوم أنأى وأنزح
فهلا فداك الموت من أن ترينه ... بمن هو أسوأ منك حالا وأقبح
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 344