اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 328
وكان أبو حشيشة يعظمها ويعترف لها بالرياسة والأستاذية وكانت من أحسن الناس وجها وأطيبهم صوتا، وكانت لا تخلو من عشق ولم يعرف امرأة في الدنيا أعطر منها، وكانت صنعة عجيبة، فمنها في الرمل:
كن لي شفيعا اليكا ... إن خف ذاك عليكا
وأعفني من سؤالي ... سواك ما في يديكا
يا من أعز وأهوى ... ما لي أهون عليكا
وروي عن علي بن الهيثم اليزدي أنه قال: كان إسحاق بن إبراهيم الموصلي يألفني ويدعوني ويعاشرني فجاء يوما إلى أبي الحسن فلم يصادفه فرجع ومر بي وأنا مشرف من جناح لي فوقف وسلم علي وأخبرني بقصته وقال: هل تنشط اليوم للمسير إلي فقلت له ما علي الأرض شيء أحب إلي من ذلك ولكني أخبرك بقصتي ولا أكتمك فقال: هاتها. فقلت: عندي اليوم محمد بن عمرو بن مسعدة وهارون بن أحمد بن هشام وقد دعونا عبيدة الطنبورية وهي حاضرة والساعة يجيء الرجلان فامض في حفظ الله فإني جالس معهم حتى تنتظم أمورهم وأروح إليك فقال لي: فهلا عرضت علي المقام عندك فقلت له لو علمت أن ذلك مما تنشط له والله لرغبت إليك فيه فغن تفضلت بذلك كان أعظم لمنتك فقال: أفعل فإني قد كنت أشتهي أن أسمع عبيدة ولكن لي عليك شريطة قلت: هاتها قال: إنها إن عرفتني وسألتموني أن أغني بحضرتها لم يخف عليها أمري وانقطعت فلم تصنع شيئا فدعوها على جبلتها فقلت: أفعل ما أمرت به فنزل ورد دابته وعرفت صاحبي ما جرى فكتماها أمره وأكلنا ما حضر وقدم الشراب فغنت لحنا لها تقول:
قريب غير مقترب ... ومؤتلف كمجتنب
له ودي ولي منه ... دواعي الهم والكرب
أواصله على سبب ... ويهجرني بلا سبب
ويظلمني على ثقة ... بأن إليه منقلبي
فطرب إسحاق وشرب نصفا، ثم غنت وشرب، ولم يزل كذلك حتى والى بين عشرة أنصاف وشربنا معه، وقام ليصلي فقال هارون بن أحمد: ويحك يا عبيدة، ما تبالين والله متى مت قالت: ولم ذلك؟ قال: أتدرين من هو المستحسن غناءك والشارب عليه ما شرب قالت: لا والله. قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي فلا تعرفينه أنك قد عرفته، فلما جاء إسحاق ابتدأت تغني فلحقتها هيبة واختلاط فنقصت نقصانا بينا فقال: أعرفتموها من أنا؟ فقلنا: نعم عرفها إياك هارون. فقال إسحاق: نقوم إذا فننصرف إنه لا خير في عشرتكم الليلة ولا فائدة لي ولا لكم، ثم انصرف وكان إذا اجتمع الطنبوريون عند أبي العباس بن الرشيد يوما وفيهم المسدود وعبيدة وقيل له: عن تقول: لا والله لا تقدمت عبيدة وهي الأستاذة فما غنى بحضرتها حتى تقدمت هي وكانت تكتب على طنبورها:
كل شيء سوى الخيا ... نة في الحب يحتمل
وكانت بنت رجل يقال له: صباح مولى أبي السمراء الغساني نديم عبد الله بن ظاهر أبو السمراء أحد العدة الذين وصلهم ابن طاهر في يوم واحد لكل رجل منهم مائة ألف دينار، وكان الزبيدي الطنبوري يختلف إلى أبي السمراء، وكان صباح صاحب أبي السمراء، فكان الزبيدي إذا سار إلى أبي السمراء فلم يصادفه أقام عند صباح والد عبيدة وبات وغنى وأنس.
وكان لعبيدة صوت حسن وطبع جيد فسمعت غناء
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 328