اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 214
يتذاكران الأدب وملح الأشعار، ونوادر السير والأخبار حتى صارت أعجوبة زمانها ونادرة أوانها، فأعجب بها وتمكنت منه محبتها، ولم يكن عندها منه مقدار ما عنده منها، فما شكا ما يجد منها إلى بعض أصدقائه أرشده إلى تزوجها فخطبها إلى عمه، فأنعم على مائة من الإبل، فمضى إلى أبيه فأعطاه تسعا وتسعين، فأبى مسعود إلا التمام وعبد الله إلا ذلك، وحلف كل على ما قال، وأوقفوا الأمر، فحملت الصمة الأنفة على أنه خرج عنها إلى العرا فقالت ريا: ما رأيت رجلا أضاعه أبوه وعمه بعير إلا الصمة -لما عندهما من العلم بحبه لها· وفد رجل يقال له: علي غاوي، فخطب منه ريا وأمهرها ثلثمائة ناقة برعاتها فزوجه بها فحملها إلى مذحج، فبلغ ذلك الصمة فلزم الوساد وقال:
زمن ذكر دار بالرقاشين أعصفت ... به بارحات الصيف بدأ ورجعا
حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وسعيا كما معا
فما حسن أن يأتي الأمر طائعا ... ويجزع إن داعي الصبابة أسمعا
كأنك لم تسمع وداع مفارق ... ولم تر شعبي صاحبين تقطعا
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... وحالت بنات الشوق تحتي نزعا
تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... رجعت من الرصغاء ألوي وأجزعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا
فليست عشيات الحمى برواجع ... عليك ولكن خل عينيك تدمعا
أما وجلال الله لو تذكرينني ... كذكراك ما كففت للعين مدمعا
فقالت بلى والله ذكري لو أنه ... تضمنه صم الصفا لتصدعا
وقد سمع امرأة تنادي ابنتها: يا ريا، فسقط مغشيا عليه، فاحملوه إلى بستان هناك وأضجعوه، فلما أفاق أنشد:
يعز بصبر لا وجداك لا ترى ... سنام الحمى إحدى الليالي الغوابر
كأن لساني من تذكري الحمى ... وأهل الحمى يهتف به ريش طائر
ولم يزل يرددها حتى قضي عليه، ولما وصل خبره داخلها من الوجد ما أمسكت معه عن الطعام والشراب وجعلت تبكيه حتى ماتت· ومن لطيف شعره فيها قوله:
ألا من لعين لا ترى قلل الحمى ... ولا جبل الآثال إلا استهلت
ألا قاتل الله الحمى من محلة ... وقاتل دنيانا بها كيف ولت
غنينا زمانا باللوى ثم أصبحت ... براق الهوى من أهلها قد تخلت
فما وجد أعرابية قذفت بها ... صروف اللوى من حيث لم تك ضنت
تمنت أحاليب الرغاء وخيمت ... بنجد ولم يقدر لها ما تمنت
إذا ذكرت نجدا وطيب ترابها ... وبرد الحصى من أرض نجد أرنت
ريطة بنت عاصم بن عامر صعصة
وكانت شاعرة فصيحة، جميلة المنظر، لطيفة المخبر، عذبة المنطق· لها رثاء مقبول لا بأس فيه منه ما قالته في قومها وكانوا قد أصيبوا في يوم من أيام العرب·
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز الجزء : 1 صفحة : 214