المرحلة الثالثة: إتمام الفتح وتثبيت سلطان المسلمين في المغرب "73-95هـ/ 692-714م"
أولا: حسان بن النعمان والقضاء على مقاومة الروم والبربر "73-85هـ/ 693-705"
كان لا بد للخليفة عبد الملك بن مروان من القيام بعمل كبير يمحو به عن المسلمين ما خلفته تلك السنوات الطوال من الجهاد في الجناح الغربي للدولة الإسلامية، ولكنه لم يكن في وضع يسمح له بالعمل الإيجابي في المغرب؛ فقد كان مشغولا بمحاربة منافسة عبد الله بن الزبير "أحد أبطال سبيطلة". وبعد أن انتهت هذه الأزمة السياسية بمقتل ابن الزبير "سنة 73هـ/ 693م" واجتمع المسلمون على خلافة عبد الملك انصب تفكيره واهتمامه على الإعداد لملحمة جديدة؛ فعهد بولاية المغرب إلى أحد مشاهير قادة الشام، وهو حسان بن النعمان الغساني -الملقب بالشيخ الأمين- "سنة 73هـ/ 692م"، وأمده بجيش بلغت عدته أربعين ألف مقاتل، وأمره بالمقام في مصر، وفوضه في أموال خراجها للإنفاق منه على الفتح[1].
أما أحوال "إفريقية" عقب استشهاد زهير بن قيس في الفترة من "69هـ/ 688م" إلى "73هـ/ 692م" -بإيجاز- فقد عادت بعض السيطرة البيزنطية على أجزاء من الساحل الإفريقي، وخاصة في "قرطاجنة". كما أن قبيلة "أوربة" -البرنسية التي كان كسيلة الأوربي يتزعمها- بدأت في التقهقر عن مركز الصدارة في جبال "الأوراس"، تاركة المجال لقبيلة أخرى شديدة المراس تدعى "جراوة" -من قبائل البربر "البتر"- وتقودها امرأة لقبها العرب بالكاهنة، واسمها "داهيا بنت ماتية"، وكانت على جانب كبير من المهارة والقدرة، وتمكنت من تجميع قبائل جبال "الأوراس" تحت إمرتها، حتى أصبح "جميع من بإفريقية من الروم منها خائفون وجميع البربر لها مطيعون" حسب تعبير المؤرخين[2].
الجولة الأولى لحسان بن النعمان: النصر ثم الهزيمة:
1- خرج حسان بن النعمان من مصر أوائل سنة 74هـ/ 693م" على رأس جيشه، ووصل به إلى "طرابلس"، فانضم إليه من كان هناك من المسلمين، ثم سار إلى "إفريقية" ودخل "القيروان" حيث أعد نفسه للغزو[3].
وقد اتبع حسان خطة عسكرية جديدة أساسها مقابلة أعدائه من الروم والبربر، كل على حده، حتى يسهل القضاء عليهم. وبدأ بالروم، فاتجه بكل قواته إلى "قرطاجنة"، وهي عاصمة "إفريقية" القديمةن ومصدر المقاومة الثابت، ولم يكن أحد من القادة السابقين قد تمكن من فتحها، فضرب عليها الحصار، وكان بها عدد كبير [1] البيان المغرب "1/ 34". وراجع: الكامل "4/ 135". [2] البيان المغرب "1/ 35". وراجع: التطور السياسي للمغرب للدكتور طاهر راغب، ص"62". [3] البيان "1/ 34"، الكامل "4/ 135".