اسم الکتاب : مختصر سنا البرق الشامي المؤلف : البنداري الجزء : 1 صفحة : 99
قال: ولما تسنى الغرض وتؤدي المفترض وحصل المقصود رميت النوبتية وقد دنت العيشة فعرفنا دليل الرحيل، ونهجنا سبيل التحويل وشرعنا في ضم نشر الأحمال وجمع شتات الأثقال وتفويض ذات العماد وحمل الأطناب وقلع الأوتاد فاستقلت الجمال نصف الليل آخذة في الأعناق كأعناق السيل، وأصبحنا على الركوب وملأنا الشعاب بالشعوب والصواهل في الأعنة تمرح والذوابل بالأسنة تلمح وبحر البر بالجيش جايش وقلب الجو من جوى النقع طايش والأرض قد تنقبت من وقع الحوافر فما تحرك الخميس حتى صار بالأسد العريس وتعينت المنازل وتبينت المراحل.
وكان عندنا رسل ملوك الأطراف قد وصلوا على اختلاف المقاصد باتفاق الاستعطاف وكل يسأل في سؤل بكتاب منه ورسوله وأحضرني السلطان تلك الليلة عنده (1213) وأفردني بخطابه وحده حتى أنجزت الكتب وجهزت الرسل فمنهم من أحلت على رسله بسؤله ومنهم من بشرته بإقباله وقبوله ومنهم قطب الدين ايلغازي بن ألبي بن تمرناش الأرتقى رتق فتقه ورعى في اعتذاره حقه وكان أمره كما ذكر في فصل من كتاب وهو لما رأى صاحب ميافارقين أن أخت صاحبته قد ابتنى بها ابن عمه خاف أن يجمع له بين الأختين فراسل يبذل الخدمة ليكون فيها لنور الدين ثاني اثنين وقرر أن ينهض عسكره في أوقات الملاقات وينتقل عن حكم النفاق إلى حكم الثقات.
فصل من كتاب آخر كان الملك نور الدين بن قرار أرسلان في الخدمة منذ عبرنا الفرات بنفسه وعسكره ملازما لنا لحرصه على المناصحة وتوفره فأنجزنا له في آمد موعده لدينا وحملته إنشاء بالأعمال والبناء ورأى صاحب ماردين أن ابن عمه قد فاز بالسبق وقد حاز الفضيلة فدعانا بالإدعان وابتغى إلينا الوسيلة وقد كنا فتحنا من بلاده طرفا وحركنا من قلبه شغفا فحين عاد إلى الحمد شملته عاطفتنا بالاصطناع والاختصاص وملكناه ما ملكناه عليه وأعدنا كل ما أخذناه من ولايته إليه واستمسك بنا من حبل العصمة واستقر أيضا أن يكون عسكره معنا في الخدمة. ذكر القفول وعبور الفرات وفتح تل خالد
قال: ووصلنا إلى الفرات في مراحل وعبرنا ببحر الجيش اللجي وغزونا النهار بليل العجاج الدجوجي وأسدلنا على الخضراء ستر الغبراء وسلونا عن السوداء بحب الشهباء ونزلنا على تل خالد يوم الثلاثاء ثاني عشر محرم وكان قد تقدمنا تاج الملوك أخو السلطان إليها وأناخ عليها. ولما أطلت عليه راياتنا ألقى من فيها بيده وأنجز النصر صادق وعده.
فصل من الإنشاء الفاضلي في المعنى
فإن راياتنا المنصوبة المنصورة قد صارت مغناطيس البلاد تجذبها بطبعها، وسيوفنا مفاتيح الأمصار نفتحها بنصر الله لأخذها ولا يقطعها ولما قطعنا الفرات3بعثنا سرعات المعسكر المنصور إلى تل خالد فنزلوا بعقوبتها ورفع المنجنيق يده إلى ذروتها فلما نزلنا بها نزل من فيها على حكمنا وأجزيناه مناالأحسان على رسمنا واستجار من حربنا بذمة سلمنا وطوينا الى أخرى بمشيئة الله بها العيون أسرع من لمحها.
قال: ثم نزلنا على عين تاب حائزين فنزل لأصاحبها إلينا وهو ناصح الدين محمد بن خمارتكين وتبرع بطاعته وشرع في بذل استطاعته فمكناه في مكانه وأحسنا إليه لإحسانه فهنأنا له النحلة وعجلنا عنه الرحلة ووصلنا إلى حلب وعماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي ثاقب سمائها وراكب شهابها وآمرها وناهيها وزاهرها وزاهيها وهو مع ذلك على ما في يده متخوف وإلى سنجار بلده متشوف ومن استئناف الحرب مع امكان السلم آنف لكنه بأمر الأمراء النورية مستنير ولرأيهم مستشير وهم أوقدوا للحرب نارا وخرجوا لأسلافهم وأخلافهم على الإسلام الحقوق والسلطان لا يؤثر جراحهم وخرجوا مدججين ودفعوا عن مقاربة السور وهم على كل حال أجناد الجهاد وأجلاد الجلاد ومنهم النورية الأذكاء القارية الرماء ومنهم الياروقية الروق وقد سلفت اجتياحهم، وقد راقه بأسهم وبسالتهم وترجحت في نظرة استمالتهم وكان هو مع عقلاء العسكر يتقي واليزكية مع الجهلاء المعشر تلتقي. وكان تاج الملوك فارس ومعفر الأقران بحكم شبابه الطري وشباه الطرير ولما سبق حكم الله في التقدير يسرع إلى الحملات ويشرع الأسلات ومازال به الأقدام حتى توقظ وسنذكر شرح ذلك مع النزول بظاهر حلب في منزلتين: المنزلة الأولى:
اسم الکتاب : مختصر سنا البرق الشامي المؤلف : البنداري الجزء : 1 صفحة : 99