ذكر حفر خليج أمير المؤمنين
(* حدثنا عبد الله بن صالح أو غيره، عن الليث بن سعد، أن الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد فى خلافة عمر بن الخطّاب فى سنة الرّمادة، فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص: سلام؛ أما بعد؛ فلعمرى يا عمرو ما تبالى إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معى؛ فيا غوثاء، ثم يا غوثاء! يردّد قوله «1» .
فكتب إليه عمرو بن العاص: لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من عمرو بن العاص؛ أما بعد فيا لبيك ثم يا لبّيك! قد بعثت إليك بعير أوّلها عندك وآخرها عندى. والسلام عليك ورحمة الله.
فبعث إليه بعير عظيمة، فكان أوّلها بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها بعضا، فلما قدمت على عمر وسّع بها على الناس، ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيرا بما عليه من الطعام، وبعث عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبى وقّاص، يقسمونها على الناس، فدفعوا إلى أهل كل بيت بعيرا بما عليه من الطعام أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير فيأكلوا لحمه ويأتدموا شحمه ويحتذوا جلده، وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف أو غيره، فوسّع الله بذلك على الناس.
فلما رأى ذلك عمر حمد الله وكتب إلى عمرو بن العاص يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر معه، فقدموا عليه، فقال عمر: يا عمرو؛ إنّ الله قد فتح على المسلمين مصر، وهى كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى فى روعى- لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوّة لهم ولجميع المسلمين- أن أحفر خليجا من نيلها حتى يسيل فى البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكّة؛ فإنّ حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ منه ما نريد؛ فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا فى ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم.
فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر فثقل ذلك عليهم، وقالوا: