responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 426
ذكر رحيل السلطان من دمشق ودخوله القاهرة
أقام السلطان بدمشق مع العسكر إلى يوم عيد الفطر، وقد ذكرنا أنه قد دخلها في الخامس من رمضان، وكان عيداً عظيماً لما اتفق فيه من نصرة أهل الإسلام واجتماع شملهم بالأمن والطمأنينة، ثم رحل السلطان من دمشق في الثالث من شوال، فوصل في ذلك اليوم شمردل الركاب، وأخبر السلطان والعسكر أن القاهرة قد صنعوا فيها زينة عظيمة وقلاعاً، والناس في أرغد عيش وأطيبه.
وقال ابن كثير: عاد السلطان إلى مصر مع العسكر في يوم الثلاثاء الثالث من شوال، ودخل القاهرة يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شوال مؤيداً منصوراً، وزين له البلد، وكان يوماً مشهوداً، ويوم دخوله القاهرة كانت الأسارى بين يديه مقرنين في الأصفاد، وسناجق بأيديهم منكوسة، وطبولهم معكوسة، وشق المدينة، ولما وصل السلطان إلى تربة والده الشهيد الملك المنصور قلاون ترجل ودخل إلى ضريحه وزاره ثم ركب والأمراء في ركابه يمشون إلى أن طلع القلعة، وتحت حوافر فرسه شقق حرير مبسوطة.
وقال بيبرس في تاريخه: وكانت مدة هذه السفرة السافرة عن وجه النجاح، المشرقة إشراق الصباح منذ استقلال ركابه وإلى حين إيابه ثمانين يوماً، وصل فيها إلى الشام وكسر عدوَ الإسلام، ورتب أحوال البلاد وأعاد النازحين بين الربى والوهاد.
وقال صاحب النزهة: لما قدم السلطان إلى القاهرة خرج إليه سائر من كان في مصر من الجند والعامة وسائر المتعيشين والحرافيش، ولم يبق في البيوت من النساء والأطفال أحد، وبلغت بيوت الأرباع التي على طريقه كل بيت منها بمائة درهم وأكثر، وأقلها خمسون درهماً، وكان عبوره من باب النصر لأجل ما اتفق من نصب القلاع التي صنعها الأمراء وتباهوا فيها لما حضر الأمير بدر الدين الفتاح بالبشارة بنصرة المسلمين وهزيمة العدو كما ذكرنا.
وكانوا قد قرأوا كتاب البشارة بحضور نائب الغيبة الأمير أيبك البغدادي، وكان من إنشاء القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر.
بسم الله الرحمن الرحيم: " نصر من الله وفتح قريب "، خصه الله من البشائر بأحسنها وأجملها، ومن التهاني بأتمها وأكملها، ومن المسرات بأوفرها وأجزلها.
نعلمه أن التتار المخذولين كانوا قد امتدوا إلى البلاد المحروسة ووصلوا إلى حمص، وتعدوا جهة دمشق، وكانت العساكر المنصورة بحلب وحمص قد انضموا إلى دمشق، وعند وصولنا إلى مرج شقحب ساق التتار المخذلون، ووصلوا إلى المنزلة التي نحن بها، وكانوا في العدد الذي لا يحصى، وذكر عدتهم عن مائة ألف أو يزيدون، وللوقت قابلناهم بالعزائم الصادقة، والنيات الخالصة وركبنا بالجيوش المؤيدة، وصدمناهم بالعساكر المنصورة الصدمة العظمى، وما زال الحرب إلى أن نصر الله تعالى عليهم، وقتل منهم ما لا يحصى عددهم إلا الله، ثم بعد ذلك استند من بقي منهم إلى جبل واجتمعوا به، فأحاطت عساكرنا المنصورة بهم، ومازلنا راكبين بأنفسنا وخيولنا، مجاهدين في الليل والنهار، والحرب قائمة على أوزارها، وفي كل وقت يتناقص عددهم حتى امتلأت من قتلاهم الأرض، وانهزموا من بين أيدينا، وكسبت العساكر المنصورة من أموالهم وخيولهم ما فتح الله، وبقينا يومين وليلة في مضايقتهم في الجبال التي تحصنوا بها إلى ظهورهم ثاني شهر رمضان، فنزلوا على حمية وساقت عساكرنا المنصورة في إثرهم إلى أن قتلوهم عن آخرهم بقوة الله تعالى.
وسطرت هذه المكاتبة، ونحن نحمد الله تعالى طيبون سالمون، نحن وأمراؤنا وعساكرنا المنصورة، وقد رحلنا إلى دمشق، وكتبنا للجناب أن يشيع خبر هذه البشارة " ألا بذكر الله تطمئن القلوب ".

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 426
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست