اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 387
وفي أواخر شوال: جاء مملوك نائب حلب وأخبر بحضور الرسل من جهة قازان إلى السلطان، ورُسم للأمير سيف الدين كراي المنصوري أن يتجهز إلى لقائهم، فتجهز وخرج، وقد كتبوا بالإقامات في الطرقات، وتلقاهم الأمير كراي فأحضرهم، وهم: الأمير ناصر الدين على خواجة، والقاضي كمال الدين يونس قاضي الموصل، ورفيقهما، وكانوا رسموا قبل تمثلهم بين يدي السلطان أن يلبس سائر الجيش الكلوتات الزركش والطرازات الذهب، وأن يلبسوا أفخر ما عندهم، ورتبوا من باب القلعة إلى داخل الإيوان صفّين، فدخلوا، وكان دخولهم في النصف من ذي القعدة، فلما وصلوا إلى مجلس السلطان رأوا ما أذهلهم من الحشمة والهيبة، ورأوا عسكراً كأنهم خلقوا من حسن ومهابة وجمال، وهم صور حسان ووجوه جميلة، وباسوا الأرض، وأعطوا ما معهم من الكتب.
واجتمعت الأمراء، وقُرئت الكتب بحضورهم، وفهموا ما فيها، ثم أنهم شافهوا السلطان بما حملهم قازان، فذكرها السلطان للأمراء، وأمر السلطان بإكرامهم واحترامهم، وأنزلوهم في أحسن منزلة، ورتبوا لهم الرواتب السنية، ثم اجتمعت الأمراء بعد ذلك فتشاوروا فيما بينهم عند السلطان، وطلبوا كاتب السر وأمروه أن يكتب الجواب عن سائر الفصول التي يتضمنها كتاب قازان.
وقال القاضي شرف الدين بن الوحيد في تاريخه: لما حضر الرسل من جهة قازان استحضرهم السلطان في الليل، فلما وقعوا بين يديه أحسن إليهم وقربهم منه، ولما رأى قاضي الموصل ذلك خطب خطبة بليغة وذكر آيات في معنى الصلح بين الفريقين، واتفاق الملكين والعسكرين، ثم بسط يده ودعي لمولانا السلطان، ثم بعده لمحمود قازان، ثم أوضح الرسالة التي بيده وأعاد الكلام في معنى الصلح وقال: ودفع الكتاب للسلطان وهو مختوم بغير عنوان، فلم يفتحه السلطان في تلك الليلة، ورسم بإعادة الرسل إلى مكانهم، ولما كانت الليلة التالية طلب السلطان الأمراء المقدمين الأكابر وفتحوا الكتاب، وقُرىء على السلطان فإذا هو بالخط المغلي، وهو في قطع النصف البغدادي، أوله بسم الله الرحمن الرحيم.
ذكر نسخة الكتاب
بقوة الله تعالى، وميامين الملة المحمدية، فرمان السلطان محمود غازان، ليعلم السلطان المعظم الملك الناصر أنه في العام الماضي بعض عساكرهم المفسدة دخلوا أطراف بلادنا وأفسدوا فيها، لعناد الله وعنادنا، كماردين ونواحيها، وجاهروا الله بالمعاصي فيمن ظفروا به من أهلها، وأقدموا على أمور بديعة وأحوال شنيعة من محاربة الله، وخرق ناموس الشريعة، فأنفنا من تهجمهم، وغرنا من تقحمهم، وأخذتنا الحمية الإسلامية، فحدتنا على دخول بلادهم ومقابلتهم على إفسادهم، فركبنا بمن كان لدينا من العساكر، وتوجهنا بمن اتفق منهم أنه حاضر، وقبل وقوع الفعل منا، واشتهار الفتك عنا، سلكنا سنن المرسلين، واقتفينا آثار المتقدمين، واقتدينا بقول الله تبارك وتعالى " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " وأنفذنا صحبة يعقوب الكرجي جماعة من القضاة والأئمة الثقات، وقلنا: " هذا نذير من النذر الأولى، أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة ".
فقابلتم ذلك بالإصرار، وحكمتم عليكم وعلى المسلمين بالأضرار، وأهنتموهم وسجنتموهم، وخالفتم سُنن الملوك في حسن السلوك، فصبرنا على تماديكم في غيكم وإخلادكم إلى بغيكم إلى أن نصرنا الله وأراكم في أنفسكم قضاة، " أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله "، وظننتا أنهم حيث تحققوا كُنه الحال، وآل بهم إلى ما آل، أنهم ربما تداركوا الفارط من أمرهم، ورتقوا ما فتقوا بغدرهم، وأوجه إلينا وجه عذرهم، وأنهم ربما سيروا إلينا حال دخولهم إلى الديار المصرية رُسلاً لإصلاح تلك القضية، فبقينا بدمشق غير متحثحثين، وتثبطنا تثبط المتملكين المتمكنين، فصدّهم عن السعي في صلاح حالهم التواني، وعللوا نفوسهم بالأماني.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 387