اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 361
وبلغ ذلك قازان، فصعب عليه جداً، فطلب الأمير إسماعيل وأمره أن يأخذ معه جماعة من المغل ويتولى عقوبة أهل دمشق ويستخرج منهم الأموال، فركبوا، ورأى أهل دمشق منهم شدة عظيمة، فجاء قفجق إلى قازان وتلطف به وقال له: يا خوند الأموال لا تستخرج على هذه الحالة، ولكن بالتلطف على الناس. فأجاب إليه، وعين لذلك جماعة - وقد ذكرناهم - حتى جبوا الأموال التي ذكرناها.
قال صاحب النزهة: واستمر الأمر على أهل دمشق من النهب وأخذ الأموال خمسة وأربعين يوماً، فإن قازان نزل الغوطة في العشر الأول من ربيع الآخر ورحل منها في منتصف جمادى الأولى، والله أعلم.
ذكر إرسال قازان جماعة من جيشه
ذوي الطغيان إلى الأغوار وبيسان:
ولما وصل قازان إلى دمشق أرسل من عسكره عشرين ألفاً مجردين صحبة مولاي وأبشغا وجبجك وهلاجو، فنزلوا بالأغوار وبيسان وشنوا الغارات على تلك البلاد. ونهبوا ما وجدوا من المواشي والأقوات والأزواد، وقتلوا من وقع في أيديهم، وانتهت غاراتهم إلى القدس الشريف والخليل عليه السلام، ووصلوا إلى غزة وقتلوا بجامعها خمسة نفر من المسلمين كانوا به منقطعين، ثم رجعوا إلى الشام وقد عاثوا ونهبوا وسبوا وأسروا جماعات كثيرة، وحصروا قرى كثيرة وقتلوا من أهلها خلقاً كثيراً، ولما وصلوا إلى دمشق - وكان قازان قد رحل بعسكره - جبى له قبجق من أهل دمشق جباية أخرى لأجل مولاي، وخرج تقي الدين بن تيمية إلى مخيم مولاي، فاجتمع به في مكان، فرأى من معه من أسارى المسلمين، فاستنقذ كثيراً منهم. وأقام عنده ثلاثة أيام، ثم عاد.
وفي عشية يوم السبت الرابع من رجب: رحل مولاي وأصحابه، وأشمروا عن البلد، وساروا من على عقبة دمّر، فعاثوا في تلك النواحي فساداً، ولم يأت سابع الشهر وفي حواشي البلد منهم أحد، ولله الحمد. ذكر رحيل قازان من الشام
لما ملّ قازان من الإقامة على الشام همّ بالرحيل، وكانت إقامته قدر شهرين، ثم رحل متوجهاً إلى بلاده في الخامس عشر من جمادى الأولى من هذه السنة، وكان قد ولّى الأمير سيف الدين قفجق النيابة بالبلاد الشامية، والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار البلاد الحلبية والحموية، والأمير سيف الدين إلبكي البلاد الساحلية، ظناً أنه قد صارت الممالك الإسلامية في قبضته وانحازت إلى حوزته، فلم يتم له ما أراد، ولا بلّغه الله شيئاً من هذا المراد، وأقام بعد رحيله نائبه قطلوشاه مع جمع كثيف من الجيش، فلما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر المذكور قرىء بالجامع تقليد الأمير قفجق بنيابة السلطنة بالشام، وتولية الأمير يحيى بن جلال الدين الختني الوزارة.
وفي يوم الإثنين الثاني والعشرين من الشهر: رحل قطلوشاه والعساكر، ففرح الناس بذلك واطمأنت قلوبهم، وخرج الناس إلى جبل الصالحية وإلى الحواضر والمزارع وأظهر الناس ما تخلف من أمتعتهم، وجلسوا في الأسواق وباعوا واشتروا، واشتد الغلاء، فبلغ سعر القمح الغرارة منه بثلاثمائة درهم، ومن الشعير إلى مائتي درهم، والرطل الخبز بدرهمين، والرطل من اللحم بإثني عشر، والرطل من الجبن بإثني عشر، ومن الزيت بستةً. والبيض كل أربعة بدرهم.
وأما الأمير قفجق فإنه لما عاد من وداع قازان ركب الموكب في دمشق والعصابة على رأسه، ونادى فيها برجوع الناس، وآمنهم على أنفسهم.
وكان قد حضر إليه بعض أهل الفساد وضمنوا منه الخمر وبيعه وعين عليه كل يوم ألف درهم وجعل دار ابن جرادة خارج باب توما خمّارة وخانة.
وأخذ أموالاً أخر من أوقاف المدارس وغيرها، ثم شرع يركب بالعصابة والشاويشية بين يديه، وجهّز نحواً من ألف فارس نحو خربة اللصوص ومشى مشي الملوك في الولايات وتأمير الأمراء والمراسيم العالية النافذة والآراء، وصار كما قال الشاعر:
يا لك من قنبرة بمعمري
خلالك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
ثم نهض الشيخ تقي الدين بن تيمية واجتمع بالأمير قفجق وقال له: إن الذي فعلته من ضمان الخمور شنعة كبيرة، وثلمة عظيمة في حق الإسلام، واستاذنه في إبطاله، فأذن له، وخرج بنفسه وأراق ظروف الخمر جميعها.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 361