اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 320
فأرسل هو وأيدغدى شقير مملوكين مع مملوك نائب حلب إلى السلطان وعرفوه بذلك، وذكر حمدان في كتابة توقف الطباخي عن مسك الأمراء، فحصل من ذلك لمنكوتمر حنق وغيظ على نائب حلب، وقال للسلطان: ينبغي مسك الطباخي وتولية أيدغدى شقير عوضه في النيابة، فقال السلطان: هذا الوقت لا يقتضى تحريك الطباخى، فكتبوا له بالشكر والثناء، وأمروه أن يتحبل على مسكهم بكل وجه، وأرسلوا تقليد الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار بنيابة طرابلس، فإذا حضر ولبس تشريفة يمسك، ثم يمسك الأمراء المذكورون بعده، ثم إن بكتمر تجهز إلى الخروج والتوجه إلى الديار المصرية، فخرج وسار إلى أن قرب من بلبيس، فلما وقعت بطاقته طلب منكوتمر حسام الدين الأستاذدار فقال له: يمسك بكتمر قبل دخوله إلى السلطان، فقال: ما هو مصلحة في هذا الوقت، والمصلحة تأخيره إلى أن يرد الجواب من نائب حلب بمن مسك من الأمراء.
وقال صاحب النزهة: وكان سبب سلامته ما حكاه لي بعض مماليكه الذين حضروا معه، فقال: حين طلب أستاذي إلى مصر تحقق أنه إذا وصل إلى مصر ما يخلى سبيله، فأوصى على صغيرات، ووقف، وتصدق، وأخذ معه ألف دينار برسم الصدقة، وصار يتصدق بها طول الطريق، ولما وصل إلى بلبيس في آخر الليل أراد أن ينام ويستريح ساعة، فلم يأخذه النوم لكثرة فكره وقلقه، ثم قام توضأ وصلى ركعتين، وسأل الله أن ينجيه من شر من يخافه، وتضرع إلى الله كثيرا، ثم سمع المؤذن يسبح، ويقول في ابتداء كلامه: " بسم الله الرحمن الرحيم، إنا فتحنا لك فتحا مبينا "، الآية، فقام وتمرغ على الأرض، وسأل الله تعالى، وقال للعامل معه: والله لم يطب خاطري إلا عند ذلك، لأنه تفاءل باستفتاح ذلك المؤذن، وأوضح ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل ويكره الطيرة، وأفضل ما يكون التفاؤل من كلام الله عز وجل، ثم ركب وهو منشرح الصدر، إلى أن دخل عند السلطان، فأقبل عليه السلطان إقبالا حسنا، وأجلسه، وشرع يسأله عن أحوال العسكر، وعن الأمراء، وعن القلاع التي فتحت، وهو يخبره بالتفصيل، والسلطان ينشرح لحديثه، وآخر كلامه أن قال له: يا أمير ما طلبتك إلا لتخبرني بما وقع بين أمير سلاح وبين الدواداري، وما السبب في ذلك. فقال: والله يا خوند ما وقع بينهما شيء يوجب الخلف، وإنما أراد الأمير علم الدين الدواداري التقدم إلى العسكر، فكره أمير سلاح ذلك منه لكونه أتابك العساكر مدة عمره، ولما حضر مرسوم مولانا السلطان امتثلوه، ومشى كل واحد في مكانته.
ثم بعد ذلك خلع عليه السلطان، وأنعم عليه بألف دينار، وخرج من عنده.
وكان منكوتمر منتظرا لمسكه، فلما رآه وقد خرج وعليه الخلعة حصل عنده ضيق الصدر، وكان قد راود السلطان في أمره مرارا عديدة إلى أن وافق على مسكه، ولكن الله تعالى أزال ذلك عن خاطره.
ثم إن منكوتمر لما دخل عند السلطان قال له: يا منكوتمر، والله ما زلت طالبا مسكه إلى أن دخل عندي، فزال ما في خاطري من ذلك، ولما رأيته استحييت منه، وذكرت له خدماً كثيرة علي، فطيب خاطرك فهذا أمر لا يفوت.
وفيها كان الروك الحسامي بالديار المصرية، وكان ابتداؤه في جمادى الأولى، فريكت البلاد، وكتبت الأمثلة وفرقت، وجلس منكوتمر ليفرقها على العساكر، فكان كل من وقع له مثال لا سبيل له إلى المراجعة فيه، فمن الجند من سعد، ومنهم من شقى، ومنهم من خاب، وأفرد للخاص السلطاني بلاد الأعمال الجيزية ونواحي الصفقة الاطفيحية، وثغرى دمياط والإسكندرية، ونواحي معينة من البلاد القبلية والبحرية.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 320