اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 308
وكتب لاجين أيضا لجمال الدين نائب الكرك، وعرفه بوصول الناصر إليه، وأنه إذا وصل إليه يكرمه ويحترمه، ثم إنه سفره في الليل وأعطى له ألف دينار وتشريفا، وكتب كتابا إلى نائب الكرك، وذكر فيه أنه نائب عنه إلى أن يبلغ، وأنه ما فعل بالعادل ما فعله إلا لأجله، ثم إنه لما وصل إلى الكرك نزل إليه النائب وتلقاه وأكرمه، وطلع به، فأجلسه مكان جلوسه، ووقف هو والأمراء بين يديه، ومد له سماطا عظيما، وقرر عنده سائر ما يحتاج إليه الملك من أرباب الوظائف، وأقام الأمير سلار عنده ثلاثة أيام، ثم عاد، وقصد تمربغا عوده، فمنعه من ذلك وعرفه نائب الكرك أنه قد ورد مرسوم بإقامته بالكرك مع أستاذه في خدمته، فامتثل المرسوم وأقام عنده. ذكر القبض على الأويراتية
قد تقدم ذكر حضورهم ووصولهم إلى الديار المصرية، وكيف حصل لهم الحظ الوافر والتقرب عند العادل، وأنه قدمهم على أكابر الأمراء لكونهم من جنسه، وكان قد اتفق أن العادل شرب معهم يوما قمزا وجرى بينهم حديث البلاد وكيف اتفق بينهم وبين قازان، وذكروا أنهم ما قصدوا بلاد مصر إلا أنهم يملكونها ويجعلونها وطنا، وأنهم كانوا يعتقدون أن ليس لها عسكر يمنع، وأن عسكرها عامة وعرب وأكراد، فلما نظروا إلى عساكرها من الأجناس المختلفة والأشكال المتباينة وأنهم لا يحصون ندموا على حضورهم غاية الندم، وأنهم لو أمكنهم الرجوع ما أقاموا، وكانوا أخذوا في مثل ذلك وأشباهه، وكان بعض الأمراء حاضرا في ذلك الوقت يشرب القمز مع العادل، فسمع جميع ما قالوا وأخبر به سائر الأمراء، وبلغ الخبر إلى النائب لاجين وقرا سنقر وكان هذا هو السبب لاتفاق الأمراء على كتبغا مع ما حصل من مماليكه.
ولما تسلطن لاجين طلب الأمراء واستشارهم في أمر هؤلاء الأويراتية، فاتفق رأيهم على مسك كبارهم وتفريق البقية في الشام ومصر، فقبض على مقدمهم طرغاى وككتاى وألوص وجماعة من كبارهم وسفروا إلى الإسكندرية وكان آخر العهد بهم، ولا يعرف لأحد منهم قبر غير طرغاى فإنه معروف بمقابر إسكندرية، وأما ألوص فإنه أفرج عنه وأقام بمصر، ثم فرق المنصور بقيتهم، فمنهم من خدم عند الأمراء والأكابر، ومنهم من ذهب إلى الشام ورغب في استخدامهم الأمراء لأنه ما جاء طائفة من الشرق إلى مصر أجل منهم، وانتشرت منهم جماعة في حسينية القاهرة وكانوا قد نزلوا بها واتخذوا بها مساكن، فطابت أحوالهم، وكثرت محاسنهم، وانتشرت منهم بنات حسان لا يوصف حسنهن فرغبت فيهن أكابر الناس من الأمراء والأعيان والتجار وغيرهم.
ذكر بقية ما جرى في هذه السنة
منها: أن المنصور أخرج جميع من كان في السجون في الإسكندرية ودمياط وغيرهما من الأمراء والمماليك، فلما وصلوا إلى البحر رسم بإخراج المماليك المسجونين بخزانة البنود وخزانة شمائل وسائر السجون، وكان طلوعهم في يوم واحد، وغلقت المدينة للتفرج عليهم، وكان يوما مشهودا، وعند طلوعهم إلى السلطان فكوا قيودهم، وقبلوا الأرض، ولبسوا التشاريف، وكان فيهم مثل الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والأمير سيف الدين برلغى، والأمير سيف الدين الدكز، وكانوا خمسة وعشرين أميرا، ونزل كل واحد إلى مستقره، واستقر بالقلعة من كان عادته بها.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 308