اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 276
وحلف لهم أنهم ما طلبوكم إلا في ذلك، وما عليكم تشويش، وعند ذلك نزلوا أولا فأولا، وعرضوا مقام النائب والأمراء، وهم ينزلون طائفة منهم ... ... ... إلى أن صاروا نحو سبعمائة مملوك من الذين يخشى عاقبتهم، فأنزلوهم إلى المدينة، وأسكنوا نصفهم في المناظر المطلة على بركة الفيل، وهي التي كانت منزل صاحب حماة إذا حضر إلى مصر؛ والنصف الآخر أنزلوهم في دار الوزارة الأيوبية، مقابل سعيد السعداء والتي سكنها الملوك من بني أيوب، وكانوا إذا سلطنوا سلطانا، أو وزروا وزيرا، أو أمروا أميرا يكون من ذلك المكان، ثم رتبوا لهم رواتب وسائر ما يحتاجون إليه، ثم رسموا لأمير آخور و ... ... مقدم الجوق ورسموا لهم أن لا يشدوا لأحد منهم فرسا إلا بعد المشاورة لنائب السلطان، فمن خالف ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
ذكر الإفراج عن الأمير عز الدين الأفرم
ومن معه من الأمراء المحبوسين، وهم: الأمير سيف الدين قفجاق المنصوري، والأمير بدر الدين عبد الله السلحدار، والأمير سيف الدين بيليه، وركن الدين عمر أخ الأمير تمر، والأمير سيف الدين كرجى، والأمير سيف الدين طرقجى، وكانوا كلهم جنسا واحدا من جنس كتبغا وهو جنس المغول، وكان الشجاعي هو السبب في مسكهم لأنه كان يبغض كتبغا، وكان هؤلاء يميلون إلى كتبغا لأن الجنسية علة الضم، وكان الشجاعي متفقا مع المماليك الأشرفية على أن يقبضوا على كتبغا ومماليكه، وعلى لاجين وقراسنقر، ولم يتفق لهم ذلك.
ولما نزل كتبغا على الموكب عقيب اتفاقهم دخل الشجاعي إلى السلطان وصحبته البرجية وقبض على الأمراء المذكورين، ثم لما جرى مما ذكرنا على الشجاعي دخل كتبغا والأمراء على السلطان على أن يفرج عن هؤلاء، وقدم يذكر الأفرم، وقال يا خوند: هذا الرجل من أكابر الأمراء الصالحية، وهو خشداش الشهيد الملك المنصور والد مولانا السلطان، وله شهرة بالشجاعة والرأي والتدبير، فعند ذلك أمر بإخراجه، فتبادرت الأمراء إلى السجن، فأخرجوه ومشوا في خدمته إلى أن خلع عليه السلطان وأكرمه إكراما عظيما، ثم أخرج بقية الأمراء.
ثم أن كتبغا لما عاد إلى مجلس النيابة قبض على الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وسيف الدين برلغى الأشرفي، والأمير بورى السلحدار، واللقماني، والأمير مغلطاى المنصوري، والأمير قرمحى، وجماعة آخرين ممن كانوا يعلمون أنهم من البرجية والأشرفية، فقيدوهم وسفروهم إلى إسكندرية، وكان ذلك في العشر الأخير من صفر من هذه السنة.
ذكر عود القاضي تقي الدين بن بنت الأعز إلى القضاء
وقد تقدم ذكر عزله، وما اتفق له بعد ذلك مع الوزير ابن سلعوس، وكان قد تولى عوضه بدر الدين بن جماعة، وبقى تقي الدين بطالا، ولما قرب أوان الحج قصد الحجاز وقضى أمره إلى أن أتى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد سبق من مكة بأيام، وأقام في الحجرة النبوية، وقد صنف قصيدة مدح فيها النبي عليه السلام والتزم أن لا ينشدها إلا وهو واقف على باب الحجرة مكشوف الرأس، وكان ينشدها ويكثر الاستعانة على من ظلمه والتزم أن لا يرجع حتى يسمع بما يسره، ويعلم أن حاجته قد قضيت، وهي قصيدة طويلة منها قوله:
يا أكرم الثقلين بل يا سيد الكونين ... دعوة موقن بك مهتدى
إني بلغت القوم خير وسيلة ... يدنو بها منى مناى ومقصدي
إذا جئت نحوك زائرا ومسلما ... ووقفت وقفة سائل مسترفد
وهي نحو مائة بيت، ولم يزل ينشدها ويستغيث إلى أن رأى في نومه أن حاجته قضيت؛ فركب مع الركب، وعند وصوله العقبة حضر من عرفه بقتل السلطان الأشرف وابن سلعوس الوزير وتغيير الدولة وسلطنة الملك الناصر، فلما وصل إلى مصر تكلمت الأمراء مع السلطان في عوده إلى القضاء، فولاه ونقل بدر الدين بن جماعة إلى ولاية القضاء بدمشق.
قال صاحب النزهة: أخبرني الشيخ فتح الدين بن سيد الناس أنه يوم تولى كان يوما مشهودا، وأنه دخل للسلام عليه فسمعه يتمثل بقول الشاعر:
وكانت لنا جيرةٌ صالحون ... وجيران سوء فما خلدوا
أديرت على الكل كأس المنون ... فمات الصديق ومات العدو
ذكر تولية الوزير تاج الدين بن حنا
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 276