اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 275
وفي نزهة الناظر: وكان هذان الأميران متفقين مع بيدرا على قتل الأشرف، ولما رأيا جيشا عظيما وراء بيدرا طلبا طريق النجاة، فسبق كل واحد منهما إلى الساحل في آخر الليل، فوجدا جميع المراكب والمعادي في ساحل مصر، فأرسلا ركبدار لاجين إلى مصر، فخلع ثيابه وسابح البحر إلى جانب مصر، وجاء إلى بعض المعادى، واجتمع بصاحب المعدية فوعده بألف دينار، فخاطر صاحب المعدية بنفسه، وعدى بهما إلى بر مصر. وكان معهما بعض الفضة فأعطياه إياها، وأودعا عنده كلوتاة زركش وحياصة ذهب - وقالا له: خل هذه عندك رهنا إلى أن يحضر إليك هذا الغلام بالذهب فيأخذها.
ولما استقرا في بر مصر تفرقا وأخذ كل منهما في جهة.
وكان مع لاجين مملوك يسمى بهادر، ومع قراسنقر مملوك يسمى صمغار - وهو الحاكي لهذا التاريخ.
ولما تفرقا دخل قراسنقر المدينة، وراح لاجين إلى جامع ابن طولون، فاختفى في بعض زواياه الخراب، وأقام ينتقل من مكان إلى مكان في الجامع، وقد نذر في ذلك الوقت على نفسه إن ستره الله تعالى، وسلمت نفسه عمر الجامع وجدده، ورتب له أوقافا تقوم بوظائفه. ثم خرج منه إلى القرافة الكبيرة، وكان يأوى في بعض الترب المهجورة ويبيت فيها، ثم أتى إلى زاوية ابن عبود واختفى فيها.
وأما قراسنقر فإنه لما فارق لاجين دخل المدينة، فكان ينتقل من بيت إلى بيت إلى أن سكنت الفتنة.
وعلم كل منهما موضع صاحبه، فتراسلا على الاجتماع، وحمل لاجين في داخل صندوق على رأس حمال إلى حارة بهاء الدين، واجتمع هو وقراسنقر، واتفق رأيهما أن يبعثا مالا لبتخاص والأزرق مملوكي كتبغا ليتوسطا عند أستاذهما في أمرهما، ويصلحا مضيهما.
وكان كتبغا يعز لاجين وقراسنقر، ولم يمعن في طلبهما، وكلما كان الشجاعي يتحدث في أمرهما كان كتبغا يسكته، فلما عرف المملوكين أمرهما لكتبغا، قال لهما: قولا لهما فليصبرا، ولا يكون إلا خيرا، فبقيا على هذه الكلمة إلى شهر رمضان، وفي العشر الأخير منه أرسل كتبغا يعرفهما بأن يدخلا على الأمير بدر الدين أمير سلاح فدخلا عليه بليل، وبكيا بين يديه، وسألاه أن يشفع عند السلطان في أمرهما، وأنهما ما لهما يد في جميع الذي وقع لأنه من رأى بيدرا، فلما سمع أمير سلاح حديثهما، وعدهما بخير. ثم إنه لما طلع إلى القلعة اجتمع كتبغا والبيسرى وبكتمر السلحدار وحسام الدين الأستاذدار وتحدثوا في أمرهما، وطلبوا أمير سلاح، وسألوه أن يوافقهم على ذلك.
فدخلوا على السلطان، وتقدم كتبغا وعرف السلطان أن الأمراء يشفعون في الأميرين لاجين وسنقر، وأنهما من أكابر مماليك الملك الشهيد والد مولانا السلطان، أحدهما كان نائب الشام، والآخر كان نائب حلب، وأخذ أمير سلاح يعظم أمرهما، فقال السلطان: يا أمير هؤلاء هم الذين قتلوا أخي، فقال كتبغا: يا خوند، كذب أعداؤهما عليهما، والذي تحققنا منه يبرئهم، وأشهد لهم، وفي بقاء هذين الأميرين نفع عظيم للمسلمين فلهما اسم كبير في بلاد العدو، ونهض الأمراء فنهضوا كلهم، وقبلوا الأرض بين يديه، فأجابهم.
وفي اليوم الثاني، وهو يوم الموكب، طلع الأمير بدر الدين أمير سلاح ولاجين في جانب وقراسنقر في جانب.
ثم أمر السلطان بأن يخلع عليهما، فخلع عليهما ونزلا صحبة أمير سلاح، وحصل في نفوس المماليك من ذلك شيء عظيم، ... ... ... حتى أنهم قرروا أن يهجموا على كتبغا في الموكب، ويقتلوه فعلم بالخير، وبطل الركوب، وجمع الأمراء وأخبرهم بذلك، ثم اتفق رأيهم على أن يعرضوا المماليك وينزلوا منهم إلى المدينة من كان متصديا لإقامة الفتنة، فطلبوا الشجاعي ومقدم المماليك، و ... ... ... المقدم المماليك، وكان للأمراء ونائب السلطان قد طلبوهم، فلما جاء ثلاثتهم، وعرفهم بذلك.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 275