responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 237
وذلك أننا ركبنا من مصر وما زلنا نصل السرى بالسير، ونرسل الأعنة إلى نحوها فتمد الجياد أعناقها مداًّ ينقطع بين قوائمها السير، واستقبلنا من جبالها كل صعب المرتقى، شاهق لا يلتقى به مسلك ولا يلتقى، فما زالت العزائم الشريفة تسهل حزونه، والشكائم تفجر بوقع السنابك على أحجاره عيونه، والجياد المطهمة ترتقى مع امتطاط متونها بدروع الحديد متونه، فجعل جبالها دكا، وحاصرها حتى ألحق بها حصن عكا، ولما أراد الله بالفتح الذي أغلق على المغول والأرمن أبواب الصواب، والمنح الذي أضفى على أهل الإيمان والمجاهدين أثواب الثواب، فتحت هذه القلعة بقوة الله ونصره يوم السبت الحادي عشر من شهر رجب، فسبحان من سهل صعبها، وعجل كسبها، ومكن منها ومن أهلها، وجمع ممالك الإسلام شملها.
وكان ذلك بخط شهاب الدين محمود، ونظم للسلطان يهنئه:
لك الراية الصفراء يقدمها النصر ... فمن كيقباذ إن رآها وكيخسرو
إذا خفقت في الأفق هدت بنودها ... دعائم واستعلى الهدى وانجلى الثغر
وإن يمنت نحو العدى سار نحوها ... كتائب خطر دوحها البيض والسمر
كأن مثار النقع ليلٌ وخفقها ... بروقٌ وأنت البدر والفلك الجتر
بذل لها عزمٌ فلولا مهابة ... كستها الحيا جاء تك تسعى ولا مهر
صرفت إليها عزمةٌ لو صرفتها ... إلى البحر لاستولى على مده الجزر
ولما سبقت البشارة إلى مصر فرحت العالم، وكتب الجواب يستأذنون على عمل قلاع وزينة، كما كانت العادة بذلك عند مثل هذه القضية.
وكان السلطان لما دخل دمشق سأله أهلها أن يصوم رمضان عندهم، وذلك لما في قلوبهم من المحبة الأكيدة، ورأى السلطان أيضا طيبة دمشق ونزهها، قصد الإقامة بها، فكتب الجواب إلى مصر أن يمنع العمل للقلاع فإن السلطان عزم على أن يصوم رمضان بدمشق.
وكان الصاحب شمس الدين - عند دخول السلطان دمشق - اقترح على أهلها ببسط الشقق تحت قوائم الخيل من سائر الأصناف، كما اقترح ذلك على المصريين، ولم يقترح أحد غيره قبله، فصار عادة إلى الآن، وكتب بذلك على أهل دمشق كل أحد بقدر حاله وقدر منزلته، ولما بسطوا الشقق وأخذها أرباب الوظائف من السلحدارية والطبردارية وغيرهم أخذها الوزير عنهم وجمعها منهم، وعوضهم منها شيئا يسيرا، ثم ألزم كل من بسط شيئا أن يأخذه ويحمل ثمنه إليه، فوقفت جماعة منهم بين يدي السلطان واستغاثوا بجماعة من الحرافيش والعوام، فاستغاثوا إليه، وأنهوا ضررا بذلك، وكان وقوفهم في سوق الخيل والسلطان راكب، فرسم السلطان للحاجب أن كل من باسمه شيء يأخذه ولا يعطى للوزير شيئا، وطلب الوزير وأنكر عليه ذلك.
وقال بيبرس في تاريخه: ولما كنا في شدة الحصار والقتال والمضايقة والنزال أشرفت علينا من البر الشرقي طائفة من التتر لائحة من بين الجبال، فرسم السلطان لتجريد جماعة من العساكر صحبة بعض الأمراء الأكابر لكشف الخبر وقص الأثر وحسم مادة من ظهر من التتر، فجرد أربعة مقدمي الألوف ومضافيهم منهم الأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح وكنت من مضافيه، والأمير ركن الدين طقصو الناصري، والأمير سيف الدين بلبان الحلبي، والأمير حسام الدين لاجين السلحدار المنصوري، فسرنا جميا سيرا عنيفا، وعبرنا الفرات من مخاضة شميصاط، وسرنا في البر الشرقي عامة الليل والنهار، وقصصنا الآثار فلم نجد أحدا من التتار، فعدنا في الحال وحضرنا إلى المنازلة والقتال حتى افتتحنا قلعة الروم، وبلغ السلطان منها ما كان يروم.
ولقد اتفق فيما بعد وصول الأمير سيف الدين جنكلى بن البابا أحد أمراء التتار إلى الديار المصرية، فأخبرني أنه كان في تلك السرية وأنها كانت زهاء على عشرة آلاف فارس صحبة مقدم يسمى نيتمش، وكانت قد جاءت تلتمس فرصة وتطلب من المسلمين غرة. قال المذكور: فلما شاهدنا كثرة العساكر وعظمتها أيقنا أن لا قبل لنا بها، فرجعنا على أعقابنا وسرنا مجدين إلى مقامنا.
قلت: هذا الذي ذكره بيبرس يخالفه ما ذكره صاحب نزهة الناظر، ولكن الأصح ما ذكره بيبرس لأنه صاحب الواقعة:
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 237
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست