اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 22
فنقم بنو عبد المؤمن على أبي زكريا ذلك، وأسقط أبو زكريا اسم عبد المؤمن من الخطبة، وبقى متملكا لإفريقية وخطب لنفسه بالأمير المرتضى، واتسعت مملكته، وفتح تلمسان، والمغرب الأوسط، وبلاد الجريد والزاب، وبقى كذلك إلى أن توفي على بونة في سنة سبع وأربعين وستمائة.
وأنشأ في تونس بنايات عظيمة شامخة، وكان عالماً بالأدب، وخلف أربع بنين وهم: أبو عبد الله محمد، وأبو إسحاق ابراهيم، وأبو حفص عمر، وأبو بكر وكنيته أبو يحيى، وخلف أخوين وهما أبو إبراهيم إسحاق، ومحمد اللحيائى ابني عبد الواحد بن أبي حفص.
وكان محمد اللحيانى صالحاً منقطعاً يتبرك به الناس.
ثم تولى بعده ابنه أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا، ثم سعى عمه أبو إبراهيم في خلعه، وبايع لأخيه محمد اللحيانى الزاهد على كره منه لذلك، فجمع أبو عبد الله محمد المخلوع أصحابه في يوم خلعه، وشد على عميه فقهرهما وقتلهما، واستقر في ملكه، وتلقب بالمستنصر بالله أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد ابن الأمراء الراشدين.
وفي أيامه في سنة ثمان وستين وستمائة وصل الفرنسيس إلى إفريقية بجموع الفرنج، وأشرفت إفريقية على الذهاب، فقصمه الله تعالى، ومات الفرنسيس لعنه الله، وتفرقت تلك الجموع.
وفي أيامه خاف أخوه أبو إسحاق إبراهيم بن أبي زكريا، فهرب، ثم أقام بتلمسان، وبقى المستنصر المذكور كذلك حتى توفى حادى عشر ذي الحجة سنة خمس وسبعين وستمائة.
وملك بعده ابنه يحيى بن ممد بن أبي زكريا وتلقب بالواثق بالله أمير المؤمنين، وكان ضعيف الرأي، فتحرك عليه عمه أبو إسحاق إبراهيم الذى هرب وأقام بتلمسان، وغلب على الواثق فخلع نفسه، واستقر أبو إسحاق إبراهيم في المملكة في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة، وخطب لنفسه بالأمير المجاهد، وترك زى الحَفْصيِّين، وأقام على زى زناته، وأقام على الشرب، وفرق المملكة على أولاده، فوثب أولاده عل الواثق المخلوع، فذبحوه وذبحوا معه ولديه الفضل والطيِّب ابنى يحيى الواثق، وسلم للواثق ابن صغير يلقَّب أبا عصيدة، لأنهم يصنعون للنفساء عصيدة فيها أدوية يهدى منها للجيران، فعملت أم الصبى ذلك، فتلقب ولدها بأبى عصيدة، ثم ظهر إنسان ادعى أنه الفضل بن الواثق الذي ذبح مع أبيه، واجتمعت عليه الناس، وقصد ابا إسحاق إبراهيم وقهره، فهرب أبو إسحاق أبي بجاية، وبها ابنه أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم، فترك أبو فارس أباه ببجاية، وسار بإخوته وجمعه إلى الدعى بتونس، والتقى الجمعان، فانهزم عسكر بجاية، وقتل أبو فارس وثلاثة من إخوته، ونجا له أخ اسمه يحيى بن إبراهيم وعمه أبو حفص عمر بن أبي زكريا.
ولما هزم الدعى عسكر بجاية وقتل المذكورين أرسل إلى بجاية من قتل أبا إسحاق إبراهيم وجاءه برأسه، ثم تحدث الناس بدعوة الدعى، واجتمعت العرب على عمر بن أبي زكريا بعد هروبه من المعركة وقوى أمره، وقصد الدعى ثانياً بتونس وقهره، واستتر الدعى في بعض المواضع بتونس، ثم أحضر واعترف بنسبه وضربت عنقه.
وكان الدعى المذكور من أهل بجاية واسمه أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة، وكان أبوه يتجر إلى بلاد السودان، وكان الدعىّ المذكور مجازفاً قصيفاً، وسار إلى ديار مصر ونزل بدار الحديث الكاملية، ثم عاد الىالمغرب، وسار إلى ديار مصر ونزل بدار الحديث الكاملية، ثم عاد إلى المغرب، فلما مر على طرابلس، كان هناك شخص أسود يسمى نُصَيْراً كان خصيصاً بالواثق المخلوع قد هرب لما جرى للواثق ما جرى، وكان في أحمد الدعىّ بعض الشبه من الفضل بن الواثق، فدبر مع نصير المذكور الأمر، فشهد له أنه الفضل بن الواثق، واجتمعت عليه العرب، وكان منه ما ذكرناه حتى قتل.
وكان الدعى يخطب له بالخليفة الإمام المنصور بالله القائم بحق الله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين أبي العباس الفضل.
ولما استقر أبو حفص عمر في المملكة، وقتل الدعى تلقب بالمستنصر بالله أمير المؤمنين، وهو المسنتصر الثاني.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 22