اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 210
ودفن بتربته يوم العاشر من ذي القعدة بمدرسته المذكورة التي ليس بمصر ولا الشام شبيها لها، فإنها تربة ودار حديث ومارستان وقبة ومدرسة للمذاهب الأربعة - كما ذكرنا.
كان جلوسه على التخت يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة، فيكون له في ملكه إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وأيام، وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم: الملك الأشرف صلاح الدين خليل، والملك الناصر محمد، وأحمد ولد بعد موته ومات في دولة أخيه الأشرف. ومن الإناث بنتين اسم إحديهما: التطمش وتعرف بدار مختار، وأختها دار عنبر.
وكان وسيما جسيما، حسنا قيما، تاما، نبيلا، حليما، جميلا، من أحسن الناس صورة وأكثرهم هيبة، تعلوه جلالة وحشمة ووقار، وعليه مهابة وحرمة.
وأما جنسه فهو من خالصة القفجاق من القبيلة المعروفة ببرج أغلى.
وكان قد اشترى مماليكا كثيرة حتى بلغت عدتهم إثنى عشرة ألفا، وقيل سبعة آلاف وهو الأصح، وكان قد أمر منهم ثلاثة آلاف وسبعمائة مملوك من الجراكسة، وأسكنهم في أبراج القلعة وسماهم البرجية، وأقام نوابه في البلدان من مماليكه الذين أمرهم، وهم الذين غيروا ملابس الأمراء الماضية، ولبسوا أحسن الملابس، لأن في الدولة الصلاحية كانوا يلبسون كلوتات صفرا مضربة بكلبندات بغير شاشات؛ وشعورهم مضفورة دبابيق في أكياس حرير ملون أصفر وأحمر، وكان في خواصرهم بنود ملونة، أو بعلبكية عوض الحوائص، وأكمام أقبيتهم ضيقة على زي ملابس الفرنج، وأخفافهم برغالى أو سقامين، ومن فوق قماشهم كمرات بحلق وإبزيم، وصوالقهم كبار، يتسع كل صولق نصف ويبة أو أكثر، ومنديلهم كبار طوله ثلاثة أذرع، فأبطل المنصور ذلك كله بأحسن منه.
وكان الخلع للأمراء المقدمين الأكابر خاصة، فخصص السلطان الملك المنصور من الأمراء بلبس طرد وحش، وهم خشداشيته أربعة أنفس، وهم: سنقر الأشقر، وبيسرى، والأيدمرى، والأفرم، وباقي الأمراء الخاصكية، والبرانيين بلبس المروزى، والطبلخانات بالملون، والعشرات بلبس العتابى.
وكان يباشر أحوال مماليكه بنفسه حتى أنه كان في غير يوم الخدمة يوضع له كرسي ويخرج أهل كل طبقة إلى الرحبة فيلعبون بالرمح، ولهم معلمون، ثم إذا فرغوا من ذلك يتصارعون إلى الظهر، فإذا صلوا الظهر نزلوا مع الخادم لرمي النشاب، وهذا كان دأبهم دائما، ورزق فيهم السعادة بحسن نيته وحسن تدبيره ورأيه، فلذلك لم تزل السلطنة إلى يومنا هذا في بيته وحاشيته.
وله من الفتوحات من القلاع التي بيد الإفرنج: المرقب، وجبلة، واللاذقية، وطرابلس، وأخذ من أولاد الظاهر: الكرك، والشوبك.
وأبطل مظالم كثيرة منها: زكاة الدولة، كانت تؤخذ من كل من كان عرف عنده مال الزكاة، ولو هلك ماله، أو مات، تؤخذ من ورثته بالضرب والحبس. ومنها ما كان يؤخذ من أهل الذمة عن كل واحد دينار - غير الجالية - برسم نفقات الجند، فأبطله. ومنها ما كان يؤخذ من التجار عند سفر العسكر للغزاة عن كل تاجر دينار، فأبطله. ومنها ما كان يجبى من الناس على قدر معايشهم إذا حضر مبشر بأخذ حصن أو بنصرة المسلمين، فأبطله.
ورثاه جماعة من الشعراء، فقال بعضهم أبياتا يرثيه بصدورها ويهنئ ولده الأشرف بأعجازها:
إن أوجع الدهر القلوب وأحزنا ... فلقد تدارك بالمسرة والهنا
خطبٌ عظيمٌ جاءنا من بعده ... فرحٌ أزال صباحه ظلم العنا
بمنية المنصور شاهدنا الردى ... لكن شهدنا في ابنه كل المنى
فلئن أساء الدهر فيه فإنه ... بالأشرف الملك المؤيد أحسنا
يا راحلاً أبكى العيون تركت من ... ملأ القلوب مسرةً والأعينا
أحسنت ثم تركت فينا محسناً ... فجزيت خيرا غاب شخصك أم دنا
يا سيف دين الله إن فلتك عن ... بعض المراد كؤوس حين تحننا
أبشر فقد خلقت بعدك صارماً ... ما أنفل عن نيل المراد ولا انثنى
وانعم بمقعدك الكريم فملك من ... خلفته أبداً يزيد تمكنا
ذكر الأمراء الذين كان إليهم الأمر بالديار المصرية
الأمير حسام الدين طرنطاى نائب السلطنة، وأتابك العساكر.
والأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة في الغيبة، وهو أيضا نظير طرنطاى في العظمة.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 210