responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 177
ثم رحل السلطان من الروحاء ونزل اللجّون، فجاءه الخبر بأنّهم أحسّوا بتيقظه، وكان بيته وبينهم نهر الشريعة، ومتى قطعت لا يلحق هاربهم ولا يدركهم طالبهم، وربمّا توجه بعضهم إلى الكرك، وبعضهم إلى سنقر الأشقر، فركب من اللجون طالبا حمراء بيسان، وساق بينهم يومه ذلك يطارحهم الحديث، ويلاطفهم ويخادعهم إلى أن وصل الحمراء فلم يشعروا إلاّ وهم قبالة الدهليز، فرسم بأن ينزلوا ليشربوا سويقا، فإنه كان يوما شديد الحرّ، فنزلوا وشربوا السويق، فدعا كوندك، وأيدغمش الحكيمي، وبيبرس الرشيدي، وساطلمش السلحدار الظاهري وقال لهم: أنتم تعملون أنني لا طلبت الملك ولا قصدته، ولا رغبت فيه، وإنما أنتم لما خامرتم على ابن أستاذكم وخرجتم إلىّ وأنا داخل من سيس، وأمسكتم ذيلي وقلتم: يطلب حبسك، فسيّرت أشفع فيكم، فلم يقبل شفاعتي، فوافقت هواكم وسبلت روحي وأولادي ومالي لأجلكم، وعلم الله نيتي، فأعطاني ما أعطاني، فأحسنت إليكم وزدتكم، وبذلت لكم الأموال، وآخر الأمر تكاتبون الفرنج على قتلى؟ فقالوا: أخطانا، وقد فعلنا كما بلغ السلطان عنا.
فقال يا أمراء: اعلموا بما أقروا به، وأمر بإمساكهم وسط الخيمة فأمسكوا وسيروا إلى الخيم، فأمسك كلّ من كان موافقا لهم من البرانيين والمماليك الجوانيين وكانوا ثلاثة وثلاثين نفرا، وخاف جماعة، فهربوا: فساق العسكر خلفهم، فأحضروا بعضهم من جبال بعلبك، وبعضهم من ناحية صرخد.
ولم يستقرّ السلطان بحمراء بيسان غير تلك الليلة وعبر الشريعة.
وأما كوندك، وأيدغمش الحكيمي، وبيبرس الرشيدي، وساطلمش الظاهري، فإنهم أعدموا، وأما باقي الممسوكين اعتقلوا بقلعة دمشق، وهرب الأمير سيف الدين أيتمش السعدي، وسيف الدين بلبان الهاروني، وسيف الدين كراي وأولاده، وجماعة من البحرية الظاهريّة والتتار الوافديّة، فإنهم توجهوا إلى صهيون ولحقوا بالأمير شمس الدين الأشقر، وجرّد السلطان خلفهم عسكرا صحبة الأمير بدر الدين بكناش الفخري أمير سلاح والأمير ركن الدين بيبرس طقصو، فلم يدركوهم.
ورحل السلطان إلى دمشق، فتلقته العساكر الشاميّة، وكان دخوله دمشق في التاسع عشر من المحرّم، فطلع القلعة ونزل بها، وقد زينت له البلد، وشرع في استجلاب القلوب، والتجاوز عن الذنوب، وأخرج الخزائن، وأنفق في العساكر، وأخذ بإحسان الخواطر، فسكن إليه كل نافر وداعر.
ذكر ماجريات السّلطان الملك المنصور في دمشق
منها: أنه في اليوم التاسع والعشرين من المحرم عزل القاضي شمس الدين ابن خلكان، وولى عز الدين بن الصايغ.
ومنها: أن السلطان في أول شهر صفر وليّ نجم الدين بن الشيخ بن أبي عمر قضاء الحنابلة، وقد كان المنصب شاغرا منذ عزل والده نفسه عن القضاء.
ومنها: أنه ولي قضاء حلب في هذا الشهر تاج الدين يحيى بن محمد بن إسماعيل الكردي.
ومنها: أنه جلس بدار العدل في هذا الشهر، فحكم وأنصف المظلوم من الظالم، وقدم عليه صاحب حماة، فتلقاه السلطان بنفسه، في موكبه ونزل بداره داخل باب الفراديس.
ومنها: أن السلطان جرد الأمير عز الدين الأفرم في عسكر، وبعده علاء الدين كشتغدي الشمسي بعسكر آخر، فتوجهوا إلى جهة شيزر، على أنهم يعملون عملا، ويؤثرون اثرا، فحصل الوخم، وتمرّض الأمير عز الدين الأفرم، ومات من الأمراء المستعربي في تلك السفرة.
وتردّدت الرسائل بين السلطان وبين الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، وطلب منه تسليم شيزر، وطلب هو عوضها الشغر وبكاس، وكانت قد أخذت منه من مدة، ورتب السلطان سيف الدين بلبان الطباخي نائبا فيها، وطلب معها كفر طاب وبلادها، فأجيب إلى ذلك، وأجاب إلى تسليم شيزر، وتقرر أن يقيم على هذه البلاد ستمائة فارس لنصرة الإسلام، وأن الأمراء الذين هربوا إليه إن أقاموا عنده يكونون من أمرائه، وإن حضروا إلى السلطان يكونون آمنين ولهم الإحسان ولا يؤاخذون، وحضر من عند الأمير علم الدين الدويداري بنسخة يمين على ما تقرر، فخلف له السلطان عليها، وسأله سنقر الأشقر أن يلقبه بلفظة الملك، فامتنع وكتب له تقليد بالبلاد ونعت فيه بالأمير.
وسيّر السلطان الأمير فخر الدين المقرئ، والأمير شمس الدين فراسنقر الجوكندار المنصوري إليه، فخلّفاه وسلّمن شيزر وتسلم الشغر وبكاس، وسيّر إليه السلطان من الأواني والأقمشة والأنعام شيئا كثيرا، وانتظم الإتفاق وانقطع الشقاق.

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 177
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست