اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 178
ومنها: وقوع الصلح مع الملك المسعود بن الملك الظاهر مع السلطان الملك المنصور، وذلك أنه ترددت رسل الملك المسعود من الكرك يطلبون الصلح وزيادة على الكرك وأن يكون لهم ما كان بيد الملك الناصر داود بن الملك المعظم بن الملك العادل أبي بكربن أيوب، فلم يجبه السلطان إلى ذلك ولا إلى الإقامة في الكرك، بل قال لهم في جواب كل رسالة: أنا أعطيكم قلعة غير الكرك، فلما تقررّ الصلح مع سنقر الأشقر خافوا الغائلة، وعلموا أنهم لا طاقة لهم بالمقاومة، وكانوا قد تقسمت آراؤهم، وقطعت أطرافهم، وتقاصرت بهم الأحوال والأموال، فأجابوا إلى طاعة السلطان على أنه يبقيهم في الكرك وأعمالها من الموجب إلى الحسا، فأجابهم السلطان وحلف لهم، والتمسوا شروطا منها: تجهيز الأخوة الذكور والبنات أولاد الملك الظاهر من القاهرة إلى الكرك، ورد الأملاك الظاهرية عليهم، وتّم الصلح على ذلك وحلف السلطان عليه، وتوّجه بدر الدين بيليك المحسني السلحدار والقاضي تاج الدين بن الأثير إلى الكرك وحلفّا الملك المسعود، وكوتب كما يكاتب صاحب حماة، واستفر الحال.
ومنها: أن في العشر الأول من ربيع الأول ضمن الخمر والزنا بدمشق، وجعل ديوان ومشدّ، فقام جماعة من العلماء والعبّاد في ذلك فأبطل بعد عشرين يوما، وأريقت الخمور، وأقيمت الحدود.
ومنها: أن في أواخر ربيع الآخر عزل التقي توبة التكريتي عن الوزارة بدمشق، وباشر بعده تاج الدين الشهر زوري.
ومنها: أن السلطان عزل برهان الدين السنجاريّ عن الوزارة بمصر وصودر وأهين.
ذكر وصول التتار إلى البلاد ومهاجمتهم
وفي هذه السنة وردت الأخبار على السلطان بدخول منكوتمر إلى الروم في عساكر المغول، وأنه قد نزل بين قيسارية وأبلستين، فأقام بهذه المنزلة والاخبار تتواتر بذلك، والكشافة تغدو وتروح، ولا سر لهم ينكشف ولا يبوح، ثم توّجه كشافة من عينتاب للكشف، فوقعوا بفرقة من التتار قريب صحراء هوني، الني كسر الملك الظاهر التتار عليها، فظفروا منهم بشخص يسمّى جلتار بهادر أمير آخور أبغا، كان قد توجّه لكشف المروج والمراعي، فضربوه ضربة سيف في أذنه، وأمسكوه، وأحضروه إلى السلطان إلى مدينة دمشق، فوانسه وسايسه، وسأله عن أخبار القوم، فذكر أنهم في عدد عظيم يزيد على ثمانين ألف فارس من المغول والحشود، وأنهم يقصدون البلاد قولا جزما، ويركبون من منزلتهم في أول شهر رجب، فسمع السلطان كلامه، وحمل إلى مصر هو ومن أسر معه.
فلما كان في شهر جمادى الآخرة من هذه السنة قوى الخبر وزاد، وتنقلوا من منزلتهم إلى صاروس، ومنها إلى أبلستين، ورحلوا إلى أن دخلوا الدربند وهم يسيرون الهوينا، ثم توجهت منهم إلى الرحبة فرقة صحبة أبغا الملك بنفسه وصاحب ماردين، فنازلوها، وسير السلطان بدر الدين بجكا العلائي ومعه مائنا فارس جرائد إلى جهة الرحبة كشّافة، وخرج السلطان من دمشق في جموع، وعدد وحشود، وكان يوما مشهودا، والخلائق كأنهم قد جمعوا في صعيد، وحشروا اليوم الوليد الوعيد.
وكان قد قدم قيل خروجه الأمراء ومع كلّ أمير جماعة، فكان الأميرسيف الدين قشتمر العجمي على حمص، والأمير سيف الدين بكتمر الغتمي بحلب، ثم ورد الخبر بأن فرقة العدّو التي جاءت من جهة الروم قد نزلت مرعش، وتقدمت إلى صوب حارم، فقدّم دهليز السلطان إلى القطيفة، ومنها إلى عيون القصب، ووصل العدّو المخذول إلى حارم وملكوا البلاد.
فأمر السلطان الناس بأن يلبسوا في كل يوم عدد الحرب، ويركبوا ويصطفوا صفوقا، ويتشالشوا ليتمرنوا على الحرب، وراسل سنقر الأشقر عدّة مراسلات حتى تقرّر أنه ينزل من صهيون ويقف حيث يقف المسلمون هو ومن عنده من الأمراء بشريطة عوده إلى مكانه إذا انقضى المصاف، وتوجّه إليه الأمير سيف الدين بكتمر الساقي العزيزيّ، والأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ في تقرير هذه القواعد، فنزل وأقام على الجراص قريبا من أبي قبيس.
ولما نزل السلطان بحمص حضر شمس الدين سنقر الأشقر، ومن عنده من الأمراء وهم: أيتمش السعدي، والحاج أزدمر الدويداري، وبيجق اليغداديّ، وكراي، وشمس الدين الطنطاش، وابنه، ومن معهم من الظاهريّة مبادرين إلى الخدمة، ففرح المسلمون بمحضرهم، وكان ذلك قبل المصاف بيومين.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 178