اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 165
وأما الملك السعيد فلم يبق في صحبته إلاّ نفر يسير من مماليكه منهم: لاجين الزينى، ومغطاى الجاكى، وسنقر التكريتى، وأيدغدىالحرانىّ، والبكى الساقى، وبكتوب الحمصيّ، وصلاح الدين يوسف بن بركنجان، وعلاء الدين على بن بركنجان، ومن يجري مجراهم.
ومن الأمراء الكبار: شمس الدين سنقر الأشقر خاصةً، ولما وصلوا إلى قرب المطريّة فارقه واعتزل عنه ولم يلم بالأمراء، بل أقام في مكان إلى أن كان منهم ما كان.
وبلغ الأمراء رحيل السلطان من بلبيس وقبل لهم: إنه يجئ من خلف الجبل الأحمر، ويطلع القلعة، فركبوا وتوجهوا إلى الجبل الأحمر ليحولوا بينه وبين القلعة لئلا يستقرّ بها فتصير له منعةً وتتسع عند العساكر السمعة.
وكان يوما قد ترادف سحابه، وتراكم ضبابه، وحجب وجه نقابه، فكان الإنسان لا يبصر رفيقه وهو يسايره، ولا ينظر زميله وهو يسامره، وكان ذلك لطفا من الله تعالى بالمسلمين وحقنا لدمائهم، فإنه لو تراءى الجمعان ووقع العيان على العيان لكان بينهم سفك دماء كثيرة.
فاستتر الملك السعيد عن العيون، ونجا من يد المنون، وطلع القلعة، ففتح له مماليكه الأبواب، فبلغ ذلك الأبواب، فبلغ ذلك الأمراء، فشتوا عليه الحصار، فوقع النشاجربين الحاصكيّة والزريقيّ، وأسمعه لاجين الزينى غليظ الكلام، ولامه أعظم الملام، ونسبه إلى التقصير وسوء التدبير: فتوغر خاطره، وساءت ضمائره، وترك القلعة، ونزل إلى الأمراء مخامراً، وتسلّل بعده المماليك واحدا بعد واحد.
وكان الأمير علم الدين سنجر الحلبي معتقلا بالقلعة، فأخرجه السطان واستشاره في أمره، فقال: أرى أن تعطيني هؤلاء المماليك الذين عندك، فأنزل بهم عليهم وأهجم عليهم وأفرق شملهم، فلم يوافقه على ذلك. وتمادى الأمراء أسبوعاً وهو محصور، فأرسل إلى الأمراء مستعتباً فما اعتبوا، واستمروا على مضايقته، فقال لهم: أنا أعطيكم جميع الشام ولا تنقضوا هذا النظام، فأبوا إلا خلع نفسه من السلطنة والتخلي عن المملكة فأرسل إلى الأمير سيف الدين قلاون، والأمير بدر الدين بيسرى يلتمس منهما الكرك، فأجابوه إلى سؤاله، وأنزلوه من القلعة على حاله، أنهم لا يؤذونه في نفسه، ولايغّيرون عليه مغّيرا، وأحلفوه أنه لا يتطرّق إلى غير الكرك، ولا يكاتب أحدا من النواب ولا يستعمل إلى جهته أحدا من الجند، ولا من الأعراب، وسفّروه لوقته.
ذكر تفسير الملك السّعيد إلى الكرك
ولما جرى ما ذكرنا نزل من القلعة، وسافر إلى الكرك صحبة الأمير سيف الدين بيدغان الركنى وجماعة يوصلونه إلى الكرك، فوصلها، وتسلمها من النائب الذي هو بهاء هو علاء الدين أيدكين الفخري، وتسّلم ما بها من الأموال والذخائر والغلال.
وكان خروجه من المملكة في سابع شهر ربيع الأول من هذه السنة، أعنى سنة ثمان وسبعين وستمائة، وكانت مدة سلطته من حين وفاة أبيه الملك الظاهر سنتين وشهرا وأياما.
ذكر استقرار سيف الدين قلاون متحدثاً في مصالح الناس
ولما جرى ماذكرنا طلع الأمير سيف الدين القلعة، ومعه الأمراء، وتصرف في التدبير في أمر المملكة من الأمراء والنهى والأخذ والعطاء، ولم يسفك في هذه الحركة إلا دم رجل واحد وهو سيف الدين بكتوت الحمصي فإنه كان بينه وبين الأمير شمس الدين سنقرجاه الظاهرى مشاجرة، فلما طلع مع الملك السعيد إلى القلعة يوم وصوله صادفه سنقرجاه، وكان من حزب الأمراء، فطعنه في حلقه، فحمل إلى قبة القلندرية، فمات من يومه، ودفن بها، ولم يجر شئ سوى ذلك، ولم يغن عن الملك السعيد كثرة ماله وكثرة مماليك أبيه، بل كانوا وبالاّ عليه. ذكر سلطنة الملك العادل
بدر الدين سلامش بن الملك الظاهر بيبرس البندقدارى
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 165