اسم الکتاب : شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام المؤلف : التقي الفاسي الجزء : 1 صفحة : 329
فحفر إبراهيم بعد ذلك البئر، ثم غلبه عليها ذو القرنين، وأظن أن ذا القرنين كان سال إبراهيم عليه السلام أن يدعو الله له، فقال: كيف، وقد أفسدتم بئري؟ فقال ذو القرنين: ليس عن أمري، ولم يخبرني أحد أن البئر بئر إبراهيم، فوضع السلاح، وأهدى إبراهيم إلى ذي القرنين بقرا وغنما، فأخذ إبراهيم سبعة أكبش، فأقرنهم وحدهم، فقال ذو القرنين: ما شأن هذه الأكبش يا إبراهيم؟ فقال إبراهيم: هؤلاء يشهدون في يوم القيامة أن البئر بئر إبراهيم ... انتهى.
وفي حاشية كتاب الفاكهي في هذا الحديث مكتوب ما صورته: عطاشا ما أقرأ عبد الله بن عمران عطاشا، قال أبو عبد الله: والصواب عطشانان[1] ... انتهى.
ولم تزل ماء زمزم ظاهرا ينتفع به سكان مكة، إلى أن استخفت جرهم بحرمة الكعبة والحرم، فدرس موضعه ومرت عليه السنون عصرا بعد عصر، إلى أن صار لا يعرف.
وقيل: إن جرهما دفنتها حين نفت عن مكة، ذكره الزبير بن بكار وغيره، والله أعلم.
ثم بوأه الله تعالى لعبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم لما خصه الله به من الكرامة، فأتي في المنام وأمر بحفرها، وأعلمت له بعلامات استبان بها موضع زمزم فحفرها، وكان حفره لها قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا روينا من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن جده عبد المطلب حين حفر زمزم لم يكن له ولد سوى ابنه الحارث، روينا ذلك عنه في سيرة ابن إسحاق[2] بسند رجالُه ثقات.
وروينا في تاريخ الأزرقي، عن الزهري، ما يقتضي أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الأزرقي روى بسنده إلى الزهري: أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد الفيل[3]، والنبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل على الصحيح، والله أعلم.
وروينا في مسند البزار، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة وهو غلام، وإسناد هذا الحديث ضعيف، وبتقدير صحته، فعلاج أبي طالب غير علاج عبد المطلب، لأن حديث علي رضي الله عنه يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طالب لم يكونا موجودين حين حفر عبد المطلب زمزم، لأنه ذكر فيه أنه لم يكن لعبد المطلب حين حفرها ابن غير ابنه الحارث، والله أعلم. [1] أخبار مكة للفاكهي 5/ 122. [2] السيرة لابن هشام 1/ 133. [3] أخبار مكة للأزرقي 2/ 42.
اسم الکتاب : شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام المؤلف : التقي الفاسي الجزء : 1 صفحة : 329