اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو الجزء : 1 صفحة : 215
على غدير الذنائب فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشًا، فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون. فمضى جساس ومعه ابن عمه المزدلف، وقال بعضهم: بل جساس ناداه فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي، فقال له: أَوَقد ذكرتها, أما أني لو وجدتها في غير إبل مرة لاستحللت تلك الإبل بها. فعطف عليه جساس فرسه، فطعنه برمح فأنفذ حضنيه "من دون الإبط إلى الكشح". فلما تداءمه "أدركه" الموت قال: يا جساس اسقني من الماء، قال: ما عقلتُ "منعت" استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه. وهو يشير بذلك إلى أن كليبا قد منع قوم جساس الماء طوال حكمه، وجساس لم يمنعه إياه إلا هذه الساعة. وقد عطف المزدلف عمرو بن أبي ربيعة بعدئذٍ على رأس كليب فاحتزه[1]. وفي هذه الرواية دليل على تغلب السبب الاقتصادي على حرب البسوس، وأن ما فعله جساس لم يكن سوى تعبير عن ثورة عامة ضد عسف كليب واستبداده.
عندئذ هَبَّ المهلهل[2] أخو كليب -وهو الشاعر الفارس المعروف- للأخذ بثأر أخيه، فجز شعره وقصر ثوبه، وحرم على نفسه اللهو والشراب، وألا يشم طيبًا، ولا يدَّهن بدهن حتى يقتل بكل عضو من كليب رجلًا من بني بكر بن وائل. لكنه نزل على رأي قومه بأن يفاوض خصومه قبل قتالهم، فأذن لوفد منهم بأن يقصد "مرة" والد جساس، فاتصل به الوفد وخيره بين ثلاث خصال: إما أن يدفع إليهم بجساس ليقتل بكليب، أو بهمام أخي جساس لأنه عدل لكليب، أو أن يَقِيد من نفسه[3].
فرفض "مُرَّة" كل هذه العروض قائلا: أما جساس فغلام حديث السن، ركب رأسه فهرب فلا علم لي به، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة ولو دفعته إليكم لصيَّح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره؟ وأما أنا فلا أتعجل الموت، وهل تزيد [1] الأغاني: 5/ 1681. [2] اسمه عدي بن أبي ربيعة وقيل: امرؤ القيس، وهو خال امرئ القيس بن حجر الكندي، وإنما لقب مهلهلًا؛ لأنه أول من هلهل الشعر وقصد القصائد "ابن الأثير: 1/ 317". [3] الأغاني: 5/ 1680-1685؛ ابن الأثير: 1/ 312-320؛ محمد أحمد جاد المولى بك, المصدر نفسه، ص142 وما بعدها.
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو الجزء : 1 صفحة : 215