اسم الکتاب : تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية المؤلف : طقوش، محمد سهيل الجزء : 1 صفحة : 378
البيزنطيين، بذلك الإمدادت عنها[1]، فاضطر سكانها إلى الانتقال إلى الحصن الغربي عند رأس الميناء وتحصنوا به، وراحوا يفكرون جديًا بالنجاة بأنفسهم، وقد يئسوا من طول مدة الحصار التي امتدت أشهرًا، وبخاصة أن المؤن قد نفذت منهم، كما عجزوا عن الخروج للتصدي للقوات الإسلامية، ولم ينقذهم من هذا الوضع الحرج سوى وصول بواخر بيزنطية نقلتهم ليلًا، وخفية إلى الجزر القريبة الواقعة تحت السيطرة البيزنطية[2]، وهكذا أضحت المدينة خالية ممن يحميها أو يدافع عنها، فدخلها المسلمون وسيطروا عليها[3].
تعمير طرابلس:
اهتم معاوية بن أبي سفيان بتعمير طرابلس بعد فرار سكانها، فأرسل إليها جماعة من يهود الأردن[4]، وأسكنهم في حصنها، ولم يسكنها غيرهم ليضع سنوات[5].
ويبدو أنه أدرك أن اليهوم قوم لا هم لهم إلا تأمين مصالحهم الخاصة، وأن كثيرًا منهم خانوا البيزنطيين وعملوا عيونًا للمسلمين مقابل إعفائهم من الجزية، ومنحهم الأراضي[6]، كما أنهم اشتهروا بالأعمال التجارية، التي كان معاوية يعمل على تنشيطها مع بلدان البحر المتوسط، لذلك أسكنهم في مدينة طرابلس، ثم استقدم الفرس من الداخل، وأنزلهم فيها أيضًا.
وكان عثمان قد أمر معاوية "بتحصين السواحل وشحنها، وإقطاع من ينزله إياها قطائع ففعل"[7]، والمعروف أن المسلمين كانوا يخشون الإقامة في الثغور الساحلية المعرضة دائمًا لغارات البيزنطيين، لذلك واجه معاوية صعابًا في إغراء المسلمين على الرغم من أنه وزع الأراضي عليهم، واضطر أخيرًا إلى إسكانها بخليط غير مسلم، كما أذن لبعض البيزنطيين بالإقامة فيها بعد أن استأمنهم[8]. وكان يشحنها في كل عام، بفرق من الجند المسلمين ليدافعوا عنها ضد غارات البيزنطيين، وولى عليها عاملًا من قبله.
فتح جزيرة قبرص:
كانت قبرص ولاية بيزنطية عاصمتها قنسطنطيا "سلاميس القديمة"، ويدين سكانها [1] البلاذري: ص133. [2] المصدر نفسه. [3] المصدر نفسه. [4] المصدر نفسه: ابن عساكر: ج16 ص77. [5] المصدران نفساهما. [6] سالم، سيد عبد العزيز: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي ص36. [7] البلاذري: ص134. [8] تدمري: تاريخ طرابلس ص96.
الفصل الثاني عشر: الفتنة الكبرى ومقتل عثمان
...
تجاوزوا حاجز التكتم هذا فهم صحابة من أصل بدوي، من أهل السابقة، وأحيانًا من موالي قريش، أتاح لهم الإسلام الارتقاء بوضعهم الاجتماعي، والوصول إلى الوظائف الكبرى في عهد عمر، وبلغوا مركزًا معنويًا متقدمًا، وكانوا يعيشون بين المدينة والأمصار، هناك ثلاثة صحابة يسترعون الانتباه بشكل خاص هم: أبو ذر الغفاري، عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.
الانتقادات الموجهة إلى عثمان:
قضية عبيد الله بن عمر:
سوف أستعرض القضايا التي أثارت جدلًا في المجتمع الإسلامي، والتي اتخذها المعارضون لسياسة عثمان ذريعة للتعدي على شخصه وقتله، مبينًا وجهات النظر المختلفة فيها.
كان أول ما عرض على عثمان في مستهل حياته السياسية قضية عبيد الله بن عمر الذي أثاره مقتل والده على يدي أبي لؤلؤة، فاندفع للثأر من عدد من الأشخاص الذين اعتقد أنهم اشتركوا في المؤامرة، وساعدوا القاتل في مهمته، فقتل الهرمزان، وجفينة وابنة أبي لؤلؤة[1]، وقبض على عبيد الله بعد ذلك، وعرض على الخليفة الذي استشار الصحابة في أمره، فأشار عليه بعضهم بقتله، كان من بينهم علي بن أبي طالب في حين عارض بعضهم ذلك، وقال بعض المهاجرين: "قتل عمر أمس، ويقتل ابنه اليوم"[2]، فتدخل عمرو بن العاص، واقترح على الخليفة حلًا للقضية لإخراجه من الحرج الذي يواجهه، فقال: "يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان، ولك على المسملين سلطان؛ إنما كان هذا الحديث ولا سلطان لك، فقال عثمان: أنا وليهم، وقد جعلتها دية، واحتملتها في مالي"[3]، وعفا عن عبيد الله بن عمر، إلا أنه أخرجه من المدينة إلى الكوفة، وأنزله دارًا بها[4].
كان يمكن لهذه القضية أن تقف عند هذا الحد لولا تمادي المعارضين ممن يحملون مواقف مسبقة ضد الخليفة، وقد حملوه مسئولية العفو عن عبيد الله بن عمر، وأكدوا أن مشاورة الصحابة كانت شكلية، وأن قتل الهرمزان جريمة ارتكبت بحق مسلم، والجدير بالذكر أن هذا الرجل عندما شعر بحر السيف أسلم، وقال: "لا [1] البلاذري: ج10 ص432، 433. [2] البطري: ج4 ص239. [3] المصدر نفسه. [4] اليعقوبي: ج2 ص57.
اسم الکتاب : تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية المؤلف : طقوش، محمد سهيل الجزء : 1 صفحة : 378