اسم الکتاب : تاريخ الخلفاء المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 147
مبايعة الحسن بالخلافة
ولي الحسن -رضي الله عنه- الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعته أهل الكوفة، فأقام فيها ستة أشهر وأيامًا، ثم سار إليه معاوية، والأمر إلى الله، فأرسل إليه الحسن يبذل له تسليم الأمر إليه، على أن تكون له الخلافة من بعده، وعلى ألا يطالب أحدًا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان أيام أبيه، وعلى أن يقضي ديونه، فأجاب معاوية إلى ما طلب، فاصطلحا على ذلك فظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم: "يصلح الله به بين فئتين من المسلمين" ونزل له عن الخلافة، وقد استدل البلقيني بنزوله عن الخلافة، التي هي أعظم المناصب، على جواز النزول عن الوظائف، وكان نزوله عنها في سنة إحدى وأربعين، في شهر ربيع الأول، وقيل: الآخر، وقيل: في جمادى الأولى، فكان أصحابه يقولون له: يا عار المؤمنين، فيقول: العار خير من النار، وقال له رجل السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك. ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها.
وأخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال: قلت للحسن: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة، فقال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز[1].
وفاته
توفي الحسن -رضي الله عنه- بالمدينة مسمومًا، سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، دس إليها يزيد بن معاوية أن تسمه فيتزوجها، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها، فقال: إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟ وكانت وفاته سنة تسع وأربعين، وقيل: في خامس ربيع الأول سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وجهد به أخوه أن يخبره بمن سقاه، فلم يخبره، وقال: الله أشد نقمة إن كان الذي أظن وإلا فلا يقتل بي والله بريء.
وأخرج ابن سعد عن عمران بن عبد الله بن طلحة قال: رأى الحسن كأن بين عينيه مكتوبا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: [1]] فاستبشر به أهل بيته، فقصوها على سعيد بن المسيب، فقال: إن صدقت رؤياه فقل ما بقي من أجله، فما بقي إلا أيام حتى مات.
وأخرج ابن عساكر والبيهقي عن طريق أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي، وكان عطاؤه في كل سنة مائة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديد، قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره نفسي، ثم أمسكت فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقال: كيف أنت يا حسن؟ فقلت: بخير يا أبت، [1] أخرجه الحاكم "170/3"، وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
اسم الکتاب : تاريخ الخلفاء المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 147