اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 792
بعدم النّسج على الأساليب العربيّة كما مرّ فكان شعرهما كلاما منظوما نازلا عن طبقة الشّعر والحاكم بذلك هو الذّوق. وليجتنب الشّاعر أيضا الحوشيّ من الألفاظ والمقصّر [1] وكذلك السّوقيّ المبتذل بالتّداول بالاستعمال فإنّه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة وكذلك المعاني المبتذلة بالشهرة فإنّ الكلام ينزل بها عن البلاغة أيضا فيصير مبتذلا ويقرب من عدم الإفادة كقولهم: النّار حارّة والسّماء فوقنا. وبمقدار ما يقرب من طبقة عدم الإفادة يبعد عن رتبة البلاغة إذ هما طرفان. ولهذا كان الشّعر في الرّبّانيّات والنّبويّات قليل الإجادة في الغالب ولا يحذق فيه إلّا الفحول وفي القليل على العشر [2] لأنّ معانيها متداولة بين الجمهور فتصير مبتذلة لذلك. وإذا تعذّر الشّعر بعد هذا كلّه فليراوضه ويعاوده فإنّ القريحة مثل الضّرع يدرّ بالامتراء ويجفّ [3] بالتّرك والإهمال. وبالجملة فهذه الصّناعة وتعلّمها مستوفى في كتاب العمدة لابن رشيق وقد ذكرنا منها ما حضرنا بحسب الجهد. ومن أراد استيفاء ذلك فعليه بذلك الكتاب ففيه البغية من ذلك. وهذه نبذة كافية والله المعين. وقد نظم النّاس في أمر هذه الصّناعة الشّعريّة ما يجب فيها. ومن أحسن ما قيل في ذلك وأظنّه لابن رشيق:
لعن الله صنعة الشّعر ماذا ... من صنوف الجهّال منه لقينا
يؤثرون الغريب منه على ما ... كان سهلا للسّامعين مبينا
ويرون المحال معنى صحيحا ... وخسيس الكلام شيئا ثمينا
يجهلون الصّواب منه ولا يدرون ... للجهل أنّهم يجهلونا
فهم عند من سوانا يلامون ... وفي الحقّ عندنا يعذرونا
إنّما الشّعر ما يناسب في النّظم ... وإن كان في الصّفات فنونا [1] وفي نسخة أخرى: المقعر. [2] وفي نسخة أخرى: العسر. [3] وفي نسخة أخرى: يغرر.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 792