اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 780
أهل الأندلس والبربر في هذه العدوة وهم أهلها ولسانهم لسانها إلّا في الأمصار فقط. وهم منغمسون في بحر عجمتهم ورطانتهم البربريّة فيصعب عليهم تحصيل الملكة اللّسانيّة بالتّعليم بخلاف أهل الأندلس. واعتبر ذلك بحال أهل المشرق لعهد الدّولة الأمويّة والعبّاسيّة فكان شأنهم شأن أهل الأندلس في تمام هذه الملكة وإجادتها لبعدهم لذلك العهد عن الأعاجم ومخالطتهم إلّا في القليل. فكان أمر هذه الملكة في ذلك العهد أقوم وكان فحول الشّعراء والكتّاب أوفر لتوفّر العرب وأبنائهم بالمشرق. وانظر ما اشتمل عليه كتاب الأغاني من نظمهم ونثرهم فإنّ ذلك الكتاب هو كتاب العرب وديوانهم وفيه لغتهم وأخبارهم وأيّامهم وملّتهم العربيّة وسيرتهم [1] وآثار خلفائهم وملوكهم وأشعارهم وغناؤهم وسائر معانيهم له فلا كتاب أوعب منه لأحوال العرب. وبقي أمر هذه الملكة مستحكما في المشرق في الدّولتين وربّما كانت فيهم أبلغ ممّن سواهم ممّن كان في الجاهليّة كما نذكره بعد. حتّى تلاشى أمر العرب ودرست لغتهم وفسد كلامهم وانقضى أمرهم ودولتهم وصار الأمر للأعاجم والملك في أيديهم والتغلّب لهم. وذلك في دولة الدّيلم والسلجوقيّة. وخالطوا أهل الأمصار وكثّروهم فامتلأت الأرض بلغاتهم، واستولت العجمة على أهل الأمصار والحواضر حتّى بعدوا عن اللّسان العربيّ وملكته وصار متعلّمها منهم مقصّرا عن تحصيلها. وعلى ذلك نجد لسانهم لهذا العهد في فنّي المنظوم والمنثور وإن كانوا مكثرين منه. والله يخلق ما يشاء ويختار والله سبحانه وتعالى اعلم وبه التّوفيق لا ربّ سواه. [1] وفي نسخة أخرى: وسير نبيهم صلّى الله عليه وسلم
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 780