responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 66
فساد التّكوين من جهة شدّة الحرّ أعظم منه من جهة شدّة البرد لأنّ الحرّ أسرع تأثيرا في التّجفيف من تأثير البرد في الجمد فلذلك كان العمران في الإقليم الأوّل والثّاني قليلا وفي الثّالث والرّابع والخامس متوسّطا لاعتدال الحرّ بنقصان الضّوء وفي السّادس والسّابع كثيرا لنقصان الحرّ وأنّ كيفيّة البرد لا تؤثّر عند أوّلها في فساد التّكوين كما يفعل الحرّ إذ لا تجفيف فيها إلّا عند الإفراط بما يعرض لها حينئذ من اليبس كما بعد السّابع فلهذا كان العمران في الرّبع الشّماليّ أكثر وأوفر والله أعلم. ومن هنا أخذ الحكماء خلاء خطّ الاستواء وما وراءه وأورد [1] عليهم أنّه معمور بالمشاهدة والأخبار المتواترة فكيف يتم البرهان على ذلك والظّاهر أنّهم لم يريدوا امتناع العمران فيه بالكلّيّة إنّما أدّاهم البرهان إلى أنّ فساد التّكوين فيه قويّ بإفراط الحرّ والعمران فيه إمّا ممتنع أو ممكن أقليّ وهو كذلك فإنّ خطّ الاستواء والّذي وراءه وإن كان فيه عمران كما نقل فهو قليل جدّا. وقد زعم ابن رشد أنّ خطّ الاستواء معتدل وأنّ ما وراءه في الجنوب بمثابة ما وراءه في الشّمال فيعمر منه ما عمر من هذا والّذي قاله غير ممتنع من جهة فساد التّكوين وإنّما امتنع فيما وراء خطّ الاستواء في الجنوب من جهة أنّ العنصر المائيّ غمر وجه الأرض هنالك إلى الحدّ الّذي كان مقابلة من الجهة الشّماليّة قابلا للتّكوين [2] ولمّا امتنع المعتدل لغيبة الماء تبعه ما سواه لأنّ العمران متدرّج ويأخذ في التّدريج من جهة الوجود لا من جهة الامتناع وأمّا القول بامتناعه في خطّ الاستواء فيردّه النّقل المتواتر والله أعلم. ولنرسم بعد هذا الكلام صورة الجغرافيّا كما رسمها صاحب كتاب روجار ثمّ نأخذ في تفصيل الكلام عليها إلى آخره.

[1] أورد عليه الخبر: قصّه (قاموس) .
[2] جاء كشف اوستراليا وأميركا والقسم الواقع جنوب خط الاستواء من افريقيا مؤيدا لرأي ابن رشد.
ومبينا فساد ما كان يعتقد حينئذ من قلة، العمران جنوب خط الاستواء (عن طبعة لجنة البيان العربيّ) .
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 66
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست