responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 524
الفصل الثلاثون في أن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية
وهو رسوم وأشكال حرفيّة تدلّ على الكلمات المسموعة الدّالّة على ما في النّفس. فهو ثاني رتبة من الدّلالة اللّغويّة وهو صناعة شريفة إذ الكتابة من خواصّ الإنسان الّتي يميّز بها عن الحيوان. وأيضا فهي تطلع على ما في الضّمائر وتتأدّى بها الأغراض إلى البلاد [1] البعيدة فتقضي الحاجات وقد دفعت مؤنة المباشرة لها ويطّلع بها على العلوم والمعارف وصحف الأوّلين وما كتبوه من علومهم وأخبارهم فهي شريفة بهذه الوجوه والمنافع. وخروجها في الإنسان من القوّة إلى الفعل إنّما يكون بالتّعليم وعلى قدر الاجتماع والعمران والتّناغي في الكمالات والطّلب لذلك تكون جودة الخطّ في المدينة إذ هو من جملة الصّنائع.
وقد قدّمنا أنّ هذا شأنها وأنّها تابعة للعمران ولهذا نجد أكثر البدو أمّيّين لا يكتبون ولا يقرءون ومن قرأ منهم أو كتب فيكون خطّه قاصرا أو قراءته غير نافذة. ونجد تعليم الخطّ في الأمصار الخارج عمرانها عن الحدّ أبلغ وأحسن وأسهل طريقا لاستحكام الصّنعة فيها. كما يحكى لنا عن مصر لهذا العهد وأنّ بها معلّمين منتصبين لتعليم الخطّ يلقون على المتعلّم قوانين وأحكاما في وضع كلّ حرف ويزيدون إلى ذلك المباشرة بتعليم وضعه فتعتضد لديه رتبة العلم والحسّ في التّعليم وتأتي ملكته على أتمّ الوجوه. وإنّما أتى هذا من كمال الصّنائع ووفورها بكثرة العمران وانفساح الأعمال وقد كان الخطّ العربيّ بالغا مبالغه من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التّبابعة لما بلغت من الحضارة والتّرف وهو المسمّى بالخطّ الحميريّ. وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التّبابعة في العصبيّة والمجدّدين لملك العرب بأرض العراق. ولم يكن الخطّ

[1] وفي نسخة أخرى: البلد.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 524
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست