responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 500
الفصل الخامس عشر في أن خلق التجارة نازلة عن خلق الرؤساء وبعيدة من المروءة
قد قدّمنا في الفصل قبله أنّ التّاجر مدفوع إلى معاناة البيع والشّراء وجلب الفوائد والأرباح ولا بدّ في ذلك من المكايسة والمماحكة والتّحذلق وممارسة الخصومات واللّجاج وهي عوارض هذه الحرفة. وهذه الأوصاف نقص [1] من الذّكاء والمروءة وتجرّح [2] فيها لأنّ الأفعال لا بدّ من عود آثارها على النّفس. فأفعال الخير تعود بآثار الخير والذّكاء وأفعال الشّرّ والسّفسفة تعود بضدّ ذلك فتتمكّن وترسخ إن سبقت وتكرّرت وتنقص خلال الخير إن تأخّرت عنها بما ينطبع من آثارها المذمومة في النّفس شأن الملكات النّاشئة عن الأفعال. وتتفاوت هذه الآثار بتفاوت أصناف التّجّار في أطوارهم فمن كان منهم سافل الطّور محالفا لأشرار الباعة أهل الغشّ والخلابة والخديعة والفجور في الأثمان [3] إقرارا وإنكارا، كانت رداءة تلك الخلق عنه أشدّ وغلبت عليه السّفسفة وبعد عن المروءة واكتسابها بالجملة. وإلّا فلا بدّ له من تأثير المكايسة والمماحكة في مروءته، وفقدان ذلك منهم في الجملة. ووجود الصّنف الثّانيّ منهم الّذي قدّمناه في الفصل قبله أنّهم يدّرعون بالجاه ويعوّض لهم من مباشرة ذلك، فهم [4] نادر وأقلّ من النّادر.
وذلك أن يكون المال قد يوجد [5] عنده دفعة بنوع غريب أو ورثه عن أحد من أهل بيته فحصلت له ثروة تعينه على الاتّصال بأهل الدّولة وتكسبه ظهورا وشهرة بين أهل عصره فيرتفع عن مباشرة ذلك بنفسه ويدفعه إلى من يقوم له به من وكلائه وحشمه. ويسهّل له الحكّام النّصفة في حقوقهم بما يؤنسونه من برّه

[1] وفي نسخة أخرى: تفضّ.
[2] وفي نسخة أخرى: تخدج.
[3] وفي نسخة أخرى: الإيمان.
[4] وفي نسخة أخرى: فيهم.
[5] وفي نسخة أخرى: توفر.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 500
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست