responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 456
الفصل الثالث عشر في قصور أهل البادية عن سكنى المصر الكثير العمران
والسّبب في ذلك أنّ المصر الكثير العمران يكثر ترفه كما قدّمناه وتكثر حاجات ساكنه من أجل التّرف. وتعتاد تلك الحاجات لما يدعو إليها فتنقلب ضرورات وتصير فيه الأعمال كلّها مع ذلك عزيزة والمرافق غالية بازدحام الأعراض عليها من أجل التّرف وبالمغارم السّلطانيّة الّتي توضع على الأسواق والبياعات وتعتبر في قيم المبيعات ويعظم فيها الغلاء في المرافق والأوقات [1] والأعمال فتكثر لذلك نفقات ساكنه كثرة بالغة على نسبة عمرانه. ويعظم خرجه فيحتاج حينئذ إلى المال الكثير للنّفقة على نفسه وعياله في ضرورات عيشهم وسائر مئونتهم [2] . والبدويّ لم يكن دخله كثيرا ساكنا بمكان كاسد الأسواق في الأعمال الّتي هي سبب الكسب فلم يتأثّل كسبا ولا مالا فيتعذّر عليه من أجل ذلك سكنى المصر الكبير لغلاء مرافقه وعزّة حاجاته. وهو في بدوه يسدّ خلّته بأقلّ الأعمال لأنّه قليل عوائد التّرف في معاشه وسائر مئونته [2] فلا يضطرّ إلى المال وكلّ من يتشوّف إلى المصر وسكناه من البادية [3] فسريعا ما يظهر عجزه ويفتضح في استيطانه إلّا من يقدّم [4] منهم تأثّل المال ويحصل له منه فوق الحاجة ويجري إلى الغاية الطّبيعيّة لأهل العمران من الدّعة والتّرف فحينئذ ينتقل إلى المصر وينتظم حاله مع أحوال أهله في عوائدهم وترفهم. وهكذا شأن بداءة عمران الأمصار. والله بكلّ شيء محيط.

[1] وفي نسخة أخرى: الأقوات.
[2] وفي نسخة أخرى: مؤنهم.
[3] وفي نسخة أخرى: من أهل البادية.
[4] وفي نسخة أخرى: تقدم.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 456
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست