اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 454
المصر من غير شك فترخص أسعارها في الغالب إلّا ما يصيبها في بعض السّنين من الآفات السّماويّة ولولا احتكار النّاس لها لما يتوقّع من تلك الآفات لبذلت دون ثمن ولا عوض لكثرتها بكثرة العمران. وأمّا سائر المرافق من الأدم والفواكه وما إليها لا تعمّ بها البلوى ولا يستغرق اتّخاذها أعمال أهل المصر أجمعين ولا الكثير منهم ثمّ إنّ المصر إذا كان مستبحرا موفور العمران كثير حاجات التّرف توفّرت حينئذ الدّواعي على طلب تلك المرافق والاستكثار منها كلّ بحسب حاله فيقصر الموجود منها على الحاجات قصورا بالغا ويكثر المستامون لها وهي قليلة في نفسها فتزدحم أهل الأغراض ويبذل أهل الرّفه والتّرف أثمانها بإسراف في الغلاء لحاجتهم إليها أكثر من غيرهم فيقع فيها الغلاء كما تراه. وأمّا الصّنائع والأعمال أيضا في الأمصار الموفورة العمران فسبب الغلاء فيها أمور ثلاثة: الأوّل كثرة الحاجة لمكان التّرف في المصر بكثرة عمرانه، والثّاني اعتزاز أهل الأعمال لخدمتهم [1] وامتهان أنفسهم لسهولة المعاش في المدينة بكثرة أقواتها، والثّالث كثرة المترفين وكثرة حاجاتهم إلى امتهان غيرهم وإلى استعمال الصّنّاع في مهنهم فيبذلون في ذلك لأهل الأعمال أكثر من قيمة أعمالهم مزاحمة ومنافسة في الاستئثار بها فيعتزّ العمّال والصّنّاع وأهل الحرف وتغلو أعمالهم وتكثر نفقات أهل المصر في ذلك. وأمّا الأمصار الصّغيرة والقليلة السّاكن فأقواتهم قليلة لقلّة العمل فيها وما يتوقّعونه لصغر مصرهم من عدم القوت فيتمسّكون بما يحصل منه في أيديهم ويحتكرونه فيعزّ وجوده لديهم ويغلو ثمنه على مستامه. وأمّا مرافقهم فلا تدعو إليها أيضا حاجة بقلّة [2] السّاكن وضعف الأحوال فلا تنفق لديهم سوقه فيختصّ بالرّخص في سعره. وقد يدخل أيضا في قيمة الأقوات قيمة ما يعرض [3] عليها من المكوس والمغارم للسّلطان في الأسواق وباب الحفر والحياة في منافع وصولها [1] وفي نسخة أخرى بخدمتهم. [2] وفي نسخة أخرى: لقلة. [3] وفي نسخة أخرى: يفرض.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 454