responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 447
الفصل الثامن في أن المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول
والسّبب في ذلك ما ذكرنا مثله في البربر بعينه إذ العرب أيضا أعرق في البدو وأبعد عن الصّنائع وأيضا فكانوا أجانب من الممالك الّتي استولوا عليها قبل الإسلام ولمّا تملّكوها لم ينفسح الأمد حتّى تستوفي رسوم الحضارة مع أنّهم استغنوا بما وجدوا من مباني غيرهم وأيضا فكان الدّين أوّل الأمر مانعا من المغالاة أو البنيان والإسراف فيه في غير القصد كما عهد لهم عمر حين استأذنوه في بناء الكوفة بالحجارة وقد وقع الحريق في القصب الّذي كانوا بنوا به من قبل فقال افعلوا ولا يزيدنّ أحد على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السّنّة تلزمكم الدّولة وعهد إلى الوفد وتقدّم إلى النّاس أن لا يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا: وما القدر؟ قال: «لا يقرّبكم من السّرف ولا يخرجكم عن القصد» .
فلمّا بعد العهد بالدّين والتّحرّج في أمثال هذه المقاصد وغلبت طبيعة الملك والتّرف واستخدم العرب أمّة الفرس وأخذوا عنهم الصّنائع والمباني ودعتهم إليها أحوال الدّعة والتّرف فحينئذ شيّدوا المباني والمصانع وكان عهد ذلك قريبا بانقراض الدّولة ولم ينفسح الأمد لكثرة البناء واختطاط المدن والأمصار إلّا قليلا وليس كذلك غيرهم من الأمم فالفرس طالت مدّتهم آلافا من السّنين وكذلك القبط والنّبط والرّوم وكذلك العرب الأولى من عاد وثمود والعمالقة والتّبابعة طالت آمادهم ورسخت الصّنائع فيهم فكانت مبانيهم وهياكلهم أكثر عددا وأبقى على الأيّام أثرا واستبصر في هذا تجده كما قلت والله وارث الأرض ومن عليها
.

اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 447
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست