اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 377
ويأتي بالهواء الصّحيح ولهذا أيضا فإنّ الموتان يكون في المدن الموفورة العمران أكثر من غيرها بكثير كمصر بالمشرق وفاس بالمغرب والله يقدّر ما يشاء [1]
الفصل الثاني والخمسون في أن العمران البشري لا بد له من سياسة ينتظم بها أمره
اعلم أنّه قد تقدّم لنا في غير موضع أنّ الاجتماع للبشر ضروريّ وهو معنى العمران الّذي نتكلّم فيه وأنّه لا بدّ لهم في الاجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه وحكمه فيهم تارة يكون مستندا إلى شرع منزل من عند الله يوجب انقيادهم إليه إيمانهم بالثّواب والعقاب عليه الّذي جاء به مبلّغه وتارة إلى سياسة عقليّة يوجب انقيادهم إليها ما يتوقّعونه من ثواب ذلك الحاكم بعد معرفته بمصالحهم. فالأولى يحصل نفعها في الدّنيا والآخرة لعلم الشّارع بالمصالح في العاقبة ولمراعاته نجاة العباد في الآخرة والثّانية إنّما يحصل نفعها في الدّنيا فقط وما تسمعه من السّياسة المدنيّة فليس من هذا الباب وإنّما معناه عند الحكماء ما يجب أن يكون عليه كلّ واحد من أهل ذلك المجتمع في نفسه وخلقه حتّى يستغنوا عن الحكّام رأسا ويسمّون المجتمع الّذي يحصل فيه ما يسمّى من ذلك «بالمدينة الفاضلة» ، والقوانين المراعاة في ذلك «بالسّياسة المدنيّة» وليس مرادهم السّياسة الّتي يحمل عليها أهل الاجتماع بالمصالح العامّة فإنّ هذه غير تلك وهذه المدينة الفاضلة عندهم نادرة أو بعيدة الوقوع وإنّما يتكلّمون عليها على جهة الفرض والتّقدير ثمّ إنّ السّياسة العقليّة الّتي قدّمناها تكون على وجهين أحدهما يراعى
[1] بعد الدراسات الحديثة المتعلقة بحياة الإنسان في المدينة والريف، حيث أن متوسط عمر الإنسان في الريف يزيد عن مثله في المدينة كثيرا، وهذا يؤكد نظرية ابن خلدون من هذه الناحية، لان مناخ المدينة المشبع بدخان المصانع والمعامل والسيارات وغيرها غير مناخ الريف النظيف النقي.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 377