responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 373
من بطانته على بصيرة في طاعته ومؤازرته إلّا أنّ الآخرين أكثر وقد داخلهم الفشل بتلك العقائد في التّسليم للدّولة المستقرّة فيحصل بعض الفتور منهم ولا يكاد صاحب الدّولة المستقرّة يرجع إلى الصّبر والمطاولة حتّى يتّضح هرم الدّولة المستقرّة فتضمحلّ عقائد التّسليم لها من قومه وتنبعث منهم الهمم لصدق المطالبة معه فيقع الظّفر والاستيلاء وأيضا فالدّولة المستقرّة كثيرة الرّزق [1] بما استحكم لهم من الملك وتوسّع من النّعيم واللّذّات واختصّوا به دون غيرهم من أموال الجباية فيكثر عندهم ارتباط الخيول واستجادة الأسلحة وتعظم فيهم الأبّهة الملكيّة ويفيض العطاء بينهم من ملوكهم اختيارا واضطرارا فيرهبون بذلك كلّه عدوّهم وأهل الدّولة المستجدّة بمعزل عن ذلك لما هم فيه من البداوة وأحوال الفقر والخصاصة [2] فيسبق إلى قلوبهم أوهام الرّعب بما يبلغهم من أحوال الدّولة المستقرّة ويحرمون عن قتالهم من أجل ذلك فيصير أمرهم إلى المطاولة حتّى تأخذ المستقرّة مأخذها من الهرم ويستحكم الخلل فيها في العصبيّة والجباية فينتهز حينئذ صاحب الدّولة المستجدّة فرصته في الاستيلاء عليها بعد حين منذ المطالبة سنّة الله في عباده وأيضا فأهل الدّولة المستجدّة كلّهم مباينون للدّولة المستقرّة بأنسابهم وعوائدهم وفي سائر مناحيهم ثمّ هم مفاخرون لهم ومنابذون بما وقع من هذه المطالبة وبطمعهم في الاستيلاء عليه فتتمكّن المباعدة بين أهل الدّولتين سرّا وجهرا ولا يصل إلى أهل الدّولة المستجدّة خبر عن أهل الدّولة المستقرّة يصيبون منه غرّة [3] باطنا وظاهرا لانقطاع المداخلة بين الدّولتين فيقيمون على المطالبة وهم في إحجام وينكلون [4] عن المناجزة حتّى يأذن الله بزوال الدّولة المستقرّة وفناء عمرها ووفور الخلل في جميع جهاتها واتّضح لأهل الدّولة المستجدّة مع ما كان يخفى منهم من هرمها وتلاشيها وقد عظمت قوّتهم بما اقتطعوه من

[1] في بعض النسخ «كثيرة الترف» .
[2] الفقر وسوء الحال
[3] قوله غرة بكسر الغين أي غفلة.
[4] يجبنون.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 373
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست