اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 295
الحماية والمطالبة وصاحب هذا هو الوزير المتعارف في الدّول القديمة بالمشرق ولهذا العهد بالمغرب وإمّا أن تكون في أمور مخاطباته لمن بعد عنه في أمور جباية المال وإنفاقه وضبط ذلك من جميع وجوهه أن يكون بمضبطة وصاحب هذا هو صاحب المال والجباية وهو المسمّى بالوزير لهذا العهد بالمشرق وإمّا أن يكون في مدافعة النّاس ذوي الحاجات عنه أن يزدحموا عليه فيشغلوه عن فهمه وهذا راجع لصاحب الباب الّذي يحجبه. فلا تعدو أحواله هذه الأربعة بوجه. وكلّ خطّة أو رتبة من رتب الملك والسّلطان فإليها ترجع. إلّا أنّ الأرفع منها ما كانت الإعانة فيه عامّة فيما تحت يد السّلطان من ذلك الصّنف إذ هو يقتضي مباشرة السّلطان دائما ومشاركته في كلّ صنف من أحوال ملكه وأمّا ما كان خاصّا ببعض النّاس أو ببعض الجهات فيكون دون الرّتبة الأخرى كقيادة ثغر أو ولاية جباية خاصّة أو النّظر في أمر خاصّ كحسبة الطّعام أو النّظر في السّكّة فإنّ هذه كلّها نظر في أحوال خاصّة فيكون صاحبها تبعا لأهل النّظر العامّ وتكون رتبته مرءوسة لأولئك. وما زال الأمر في الدّول قبل الإسلام هكذا حتّى جاء الإسلام وصار الأمر خلافة فذهبت تلك الخطط كلّها بذهاب رسم الملك إلى ما هو طبيعيّ من المعاونة بالرّأي والمفاوضة فيه فلم يمكن زواله إذ هو أمر لا بدّ منه فكان صلّى الله عليه وسلّم يشاور أصحابه ويفاوضهم في مهمّاته العامّة والخاصّة ويخصّ مع ذلك أبا بكر بخصوصيّات أخرى حتّى كان العرب الّذين عرفوا الدّول وأحوالها في كسرى وقيصر والنّجاشيّ يسمّون أبا بكر وزيره ولم يكن لفظ الوزير يعرف بين المسلمين لذهاب رتبة الملك بسذاجة الإسلام وكذا عمر مع أبي بكر وعليّ وعثمان مع عمر وأمّا حال الجباية والإنفاق والحسبان فلم يكن عندهم برتبة لأنّ القوم كانوا عربا أميّين لا يحسنون الكتاب [1] والحساب فكانوا يستعملون في الحساب أهل الكتاب [2] أو أفرادا من موالي العجم ممّن يجيده وكان قليلا فيهم [1] أي الكتابة. [2] أهل الكتاب: أي النصارى واليهود.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 295