responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 176
والملابس والاستكثار من ذلك والتّأنّق فيه بمقدار ما حصل من الرّياش والتّرف وما يدعو إليه من توابع ذلك فتذهب خشونة البداوة وتضعف العصبيّة والبسالة ويتنعّمون فيما أتاهم الله من البسطة وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك من التّرفّع عن خدمة أنفسهم وولاية حاجاتهم ويستنكفون عن سائر الأمور الضّروريّة في العصبيّة حتّى يصير ذلك خلقا لهم وسجيّة فتنقص عصبيّتهم وبسالتهم في الأجيال بعدهم يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبيّة فيأذنون بالانقراض وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلا عن الملك فإنّ عوارض التّرف والغرق في النّعيم كاسر من سورة العصبيّة الّتي بها التّغلّب وإذا انقرضت العصبيّة قصّر القبيل عن المدافعة والحماية فضلا عن المطالبة والتهمتهم الأمم سواهم فقد تبيّن أنّ التّرف من عوائق الملك وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ من يَشاءُ [2]: 247.
الفصل التاسع عشر في أن من عوائق الملك المذلة للقبيل والانقياد إلى سواهم
وسبب ذلك أنّ المذلّة والانقياد كاسران لسورة العصبيّة وشدّتها فإنّ انقيادهم ومذلّتهم دليل على فقدانها فما رئموا للمذلّة حتّى عجزوا عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزا عن المقاومة والمطالبة واعتبر ذلك في بني إسرائيل لمّا دعاهم موسى عليه السّلام إلى ملك الشّام وأخبرهم بأنّ الله قد كتب لهم ملكها كيف عجزوا عن ذلك وقالوا: «إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها 5: 22» [1] أي يخرجهم الله تعالى منها بضرب من قدرته غير عصبيّتنا وتكون من معجزاتك يا موسى ولمّا عزم عليهم لجّوا وارتكبوا العصيان وقالوا له: «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا 5: 24» [2] وما ذلك إلّا لما أنسوا من أنفسهم من العجز عن المقاومة

[1] سورة المائدة الآية 22.
[2] سورة المائدة الآية 24.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 176
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست