responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 160
عباده من الشّفقة والنّعرة [1] على ذوي أرحامهم وقرباهم موجودة في الطّبائع البشريّة وبها يكون التّعاضد والتّناصر وتعظم رهبة العدوّ لهم واعتبر ذلك فيما حكاه القرآن عن إخوة يوسف عليه السّلام حين قالوا لأبيه لئن أكله الذّئب ونحن عصبة إنّا إذا لخاسرون والمعنى أنّه لا يتوهّم العدوان على أحد مع وجود العصبة له وأمّا المتفرّدون في أنسابهم فقلّ أن تصيب أحدا منهم نعرة على صاحبه فإذا أظلم الجوّ بالشّرّ يوم الحرب تسلّل كلّ واحد منهم يبغي النّجاة لنفسه خيفة واستيحاشا من التّخاذل فلا يقدرون من أجل ذلك على سكنى القفر لما أنّهم حينئذ طعمة لمن يلتهمهم من الأمم سواهم وإذا تبيّن ذلك في السّكنى الّتي تحتاج للمدافعة والحماية فبمثله يتبيّن لك في كلّ أمر يحمل النّاس عليه من نبوة أو إقامة ملك أو دعوة إذ بلوغ الغرض من ذلك كلّه إنّما يتمّ بالقتال عليه لما في طبائع البشر من الاستعصاء ولا بدّ في القتال من العصبيّة كما ذكرناه آنفا فاتّخذه إماما تقتدي به فيما نورده عليك بعد والله الموفّق للصّواب.
الفصل الثامن في أن العصبية إنما تكون من الالتحام بالنسب أو ما في معناه
وذلك أنّ صلة الرّحم طبيعيّ في البشر إلّا في الأقلّ ومن صلتها النّعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة فإنّ القريب يجد في نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه ويودّ لو يحول بينه وبين ما يصله من المعاطب والمهالك نزعة طبيعيّة في البشر مذ كانوا فإذا كان النّسب المتواصل بين المتناصرين قريبا جدّا بحيث حصل به الاتّحاد والالتحام كانت الوصلة ظاهرة فاستدعت ذلك بمجرّدها ووضوحها وإذا بعد النّسب بعض الشّيء فربّما

[1] النعرة والنعار بالضمّ فيهما والنعير: الصراخ والصياح في حرب أو شر (قاموس) والمعنى هنا التعصب لذوي الأرحام ونجدتهم.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 160
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست