اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 151
الفصل الثاني في أن جيل العرب في الخلقة طبيعيّ
قد قدّمنا في الفصل قبله أنّ أهل البدو هم المنتخلون للمعاش الطّبيعيّ من الفلح والقيام على الأنعام وأنّهم مقتصرون على الضّروريّ من الأقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائد ومقصّرون عمّا فوق ذلك من حاجيّ أو كماليّ يتّخذون البيوت من الشّعر والوبر أو الشّجر أو من الطّين والحجارة غير منجّدة إنّما هو قصد الاستظلال والكنّ لا ما وراءه وقد يأوون إلى الغيران [1] والكهوف وأمّا أقواتهم فيتناولون بها يسيرا بعلاج أو بغير علاج البتّة إلّا ما مسّته النّار فمن كان معاشه منهم في الزّراعة والقيام بالفلح كان المقام به أولى من الظّعن وهؤلاء سكّان المدر والقرى والجبال وهم عامّة البربر والأعاجم ومن كان معاشه في السّائمة مثل الغنم والبقر فهم ظعّن في الأغلب لارتياد المسارح والمياه لحيواناتهم فالتّقلّب في الأرض أصلح بهم ويسمّون شاوية ومعناه القائمون على الشّاء والبقر ولا يبعدون في القفر لفقدان المسارح الطّيّبة وهؤلاء مثل البربر والتّرك وإخوانهم من التّركمان والصّقالبة وأمّا من كان معاشهم في الإبل فهم أكثر ظعنا وأبعد في القفر مجالا لأنّ مسارح التّلول ونباتها وشجرها لا يستغني بها الإبل في قوام حياتها عن مراعي الشّجر بالقفر وورود مياهه الملحة [2] والتّقلّب فصل الشّتاء في نواحيه فرارا من أذى البرد إلى دفء هوائه وطلبا لماخض النتاج في رماله إذ الإبل أصعب الحيوان فصالا [1] الغور: ما انحدر واطمأن من الأرض وجمعها مغاور ومغارات. وهذا مقتضى السياق. وقد استعمل ابن خلدون الغيران بهذا المعنى. والأصح مغاور أو مغارات. [2] يقال: أملح الماء: صار «ملحا» بعد أن كان عذبا (قاموس) .
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 151