responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام المؤلف : جواد علي    الجزء : 1  صفحة : 153
مصدر الصحاري:
وإذا سألتني عن مصدر هذه الصحاري المزعجة التي وسمت جزيرة العرب بسمة

زهاء "150" مترًا، ولذلك لا يعد سطح بادية النفود سطحًا مستويًا منبسطًا. وتأخذ هذه المرتفعات مختلف الأشكال، فتكون في أغلب الأحيان على شكل نعل الفرس، ويكون اتجاهها من الغرب نحو الشرق، وتكون أبعادها وأعماقها مختلفة، وتسمى "القعور". وقد تركت أثرًا عميقًا في مخيلة المسافرين ورجال القوافل[1].
وبعد الأشتية الممطرة تتحول هذه المنطقة الرملية الموحشة إلى جنة حقيقية فتظهر الرمال وكأنها قد فرشت ببسط خضر، ويزينها الزهر والشقائق ومختلف الأعشاب الصحراوية، وينتجعها الأعراب للرعي. وقد تنمو فيها النباتات المرتفعة ذات السيقان القوية كبعض أنواع "الغَضَي"؛ فتكون أدغالًا يحتطب منها البدو، وقد يحرقونها لاستخراج الفحم منها[2]. وهذه الأعشاب والنباتات، لا تظهر إلا في المنطقة ذات الرمال الحمر "نفود سمرًا". أما النفود البيضاء المؤلفة من رمال نشأت من تفتت أحجار" الكوارتز" فإنها في أكثر الأماكن غير منبتة[3].
ولكن هذه الجنة الأرضية جنة قصيرة العمر، لا يدوم عمرها إلا أسابيع قليلة، ثم يحلّ بها الجفاف، وتهب السمائم، فتقضي على كل ما نبت في هذه البادية، فتبدو كالحة عابسة مزعجة منفّرة، وكأن إنسانًا كنس وجهها كنسًا أزال عنه كل أثر لذلك الجمال. وتهب في شهر نيسان رياح حارة من الشرق والجنوب، ورياح في شهور الصيف تحرق البادية حرقًا، حتى تغدو وكأنها جحيم[4].
وفي العربية ألفاظ عديدة لها صلة بالبوادي، كثرت وتعددت لاتصال حياة العرب بها، منها ما لها علاقة بشكل البادية وظاهر وجهها، ومنها ما لها علاقة بطبيعتها وبتركيبها، إلى غير ذلك من مصطلحات، نشأ بعضها من تعدد لهجات العرب ولغاتها؛ إذ تسمى قبيلة البادية باسم ربما لا تعرفه قبيلة أخرى، وهكذا تنوعت التسميات.

[1] Eufing, in "Zeitschr. der Ges. fue Erdkunde zu Berlin" No. 5, Tagebuch, 1, 144.
[2] Moritz, S., 16.
[3] Moritz, S., 16. f., A Blunt, Pilgrimage to Nejd, 2, 55.
[4] Handbook of Arabia Vol., r, P., 12, Moritz, S., 17.
اسم الکتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام المؤلف : جواد علي    الجزء : 1  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست