اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 79
البحر، تحاول أن تكسب عيشها بشتى الطرق، وكلها دنئ خسيس قائم على إهدار الكرامة وعلى النصب والاحتيال.
ومن أهم ما لحظه ابن حوقل في صقلية فرقة ذات مذهب خاص تسمى المشعمذين واليها ينتمي أكثر أهل الحصون والبوادي والضياع أي هي منتشرة في الأرياف، وخاصة بين طبقات الموالي والعبيد. " ورأى هؤلاء التزويج إلى النصارى على أن ما كان بينهم من ولد ذكر لحق بابيه من المشعمذين، وما كانت من أنثى فنصرانية من أمها؟ لا يصلون ولا يتطهرون ولا يزكون ولا يحجون، وليس فيهم من يصوم شهر رمضان أو يغتسلون إذا صاموا من الجنابة، وهذه منقبة لا يشركهم فيها أحد، وفضيلة دون جميع الخلق أحرزوا بها في الجهل قصب السبق، ولقد أعررت كتابي هذا بذكرهم ([1]) ". ومن هذا الوصف يتبين لنا إلى أي درجة تقبلت نفوس الصقليين الدين الجديد، وهي نفوس أقوام من الفلاحين والجنود والأرقاء. وهذه ناحية تفسر في الواقع أكثر مظاهر الحياة العقلية والأدبية وقصورها على فئات المهاجرين. وإذا قرأنا كتب التراجم وجدنا فيها صورة غير هذه، تمثل لنا لوناً من التشدد في المحافظة على الدين ومقاييسه في الفضائل. ألم يكن في تلك الطبقة من العباد والحجاج والمصلين؟ ألم يكن فيهم صقليون أصليون؟ إن من الظلم لصقلية أن نؤمن بأن الفضل كان وقفاً على جماعات المهاجرين من عرب وبربر وغيرهم، ولكن ابن حوقل بعد ذلك انما يؤرخ ما شاهده في فترة معينة مما قد لا ينطبق على صقلية من بعده. ومن العبث أن نحاول رد من نعرف تراجمهم من الصقليين إلى أصولهم لنعرف أكانوا صقليين أصلا أم صقليين من أصل غريب عنها لنثبت أن فيمن كانوا من صقلية أصلاً قوماً متدينين يحجون ويصلون ويزكون ويتطهرون.
وليس معنى هذا أني أدفع تهمة الانحلال الخلقي عن البيئة الصقلية فطبقات الموالي والعبيد كانت مطعونة في نفسياتها، وهي خصبة لنمو الرياء والملق والنفاق، واختلاط الأجناس يعطى الفرصة لوجود ذلك الانحلال. ثم إن قيام الحياة [1] ابن حوقل 1/ 129.
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 79