اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 78
في نفوسهم أولا نحو المهاجرين، ثم عم حتى شمل كل الغرباء المقيم منهم والعابر، واصبحوا يظنون أن كل غريب فإنما جاء ينافسهم في بلدهم ويستولي على أرزاقهم. أما الجفاء فهو أمر نسبي ولكنا نجد ابن قلاقس يلمسه حين زار صقلية فهو يقول في قصيدة أرسلها إلى أبي الفتح بن خلف الصقلي:
وقمت لي من جفاء في صقلية ... بلطف مصر عليه ظرف بغداد غير أن ابن جبير لم يلحظ في البلاد حين زارها إلا اللطف في المعاملة، ولعل الفرق بينه وبين ابن حوقل وابن قلاقس أنه كان مشمولا بالعطف الديني على مسلمي الجزيرة وأنه مغربي وهما مشرقيان، يحسان بفرق واسع في الطباع بين المشرق وصقلية.
على أي حال صور لنا ابن حوقل بهذه الوصاف مجتمعاً صقلياً منحلا ضعفت فيه الروابط الخلقية إلى حد غير قليل وتعارضت مقاييسه وقواعد الدين الإسلامي أحياناً. فقد وجد الرحالة فيها " رباطات كثيرة على ساحل البحر مشحونة بالرياء والنفاق والبطالين والفساق متمردين شيوخ وأحداث أغثاث رثاث قد عملوا السجادات، منتصبين لأخذ الصدقات وقذف المحصنات، نقم منزلة وبلايا شاملة وحتوف مصبوبة منصوبة وأكثرهم يقودون ومنهم لا يرى ذلك لشدة الرياء والسمعة وأكثرهم بالزور تطوعاً يشهدون، مع جهل لا يفرق فيه بين فرض الوضوء وسنته، ويقصدهم من أعوزه المكان لبطالته والموضع لعيارته فيؤونه، وربما شاركوه بتافه من المأكول على أحوال يقبح ذكرها " [1] ماذا نفهم من هذه العبارات على غموضها؟ وما معنى الذين اتخذوا السجادات؟ أكانوا يبتزون أموال الناس بإظهار الصلاح؟ وما معنى قوله: ومنهم من لا يرى ذلك لشدة الرياء والسمعة بعد قوله وأكثرهم يقودون؟ لقد أراد ابن حوقل؟ فيما يظهر؟ أن يصور في هذه العبارة جانباً مظلماً من حياة بعض الجماعات في بلرم، وهي طبقة من الناس احترفت البطالة وأقامت في رباطات على ساحل [1] ابن حوقل 1/ 121 وفي المكتبة الصقلية: 7 اختلاف قليل جاء فيه " وأكثرهم يقودون ويلوطون وإنما آووا إلى هناك لعجزهم وعدم السكنى ومهانة أنفسهم ".
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 78