اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 254
" القوطى " الضخم، ولكنها حزينة ذابت في أثنائها وطواياها تلك الفحولة التي كانت تملى قصائد الشباب، وخفقت تلك الفروسية التي كانت تشيع القوة في النفس، وفيها أوتي ابن حمديس القدرة على التعبير الجميل - لا التعبير القوي كما في أختها السابقة - إذ كان الحزن قد مسح شعره بهذه المسحة المحببة، وكان نضجه في السن قد صرفه عن القوة إلى محاولات أخرين يزين بها شعره. فالقهوة تذيع لأنفك أسرارها، وفي التردد بين الحركة والسكون جمال عجب يتمثل في قوله:
وقد سكنت حركات الأسى ... قيان تحرك أوتارها وتكاد القصيدة كلها تكون نموذجاً لجمال التعبير، وفيها القدرة على التصوير الجميل. وكصورة الشموع التي تقل الدجى على رأسها:
تقل الدياجي على هامها ... وتهتك بالنور أستارها وفيها صورة بارعة الراقصة وخفة حركتها. ومع ذلك فإن الشاعر لا يزال في بعض صوره يذهب مع تلك المبالغات التافهة المحلية، وهي أمور تسربت إلى شعره منذ البدء فلم يسلم منها من بعد، فالدن مضمار للكوب، والدموع أنهار صقلية لولا ملوحتها - مبالغات فيها الاستجلاب المتكلف لصورة بعيدة أو حقيقة مستحيلة، واجتمع إلى القدرة على التعبير الجميل تلك الحركة التي تنبض بها كل صورة وكل لفظ..
وربما كان يستعين على التصوير بالتحريك لأنه يحس بسكون القوى الطبيعية في جسمه، وتأمل كيف يخونه الضعف الجنسي الذي صار إليه فيعلن عن نفسه بقوله في القيان:
فهذى تعانق لي عودها ... وتلك تقبل مزمارها وكلمة " لي " في هذا البيت، التي تدل على الملكية والتخصيص إنما
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 254