اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 248
اللمحة دلالة نفسيته حيت تتصل الأمور بحياته اتصالا وثيقاً.
إذن فهو ثائر في قصيدته ناقم مغيظ يتهجم على الزمن ويتمرر بذكر الخيانة ويهجو الصحراء وسكانها، ويأسى على غبن ناله بها بعد وطنه، ويعلن أنه لا يجد من يأنس إليه بل لعله أحس أنه أصبح منبوذاً يضيق الناس به، شريداً غريباً لا وطن له، حتى طيف كان يزوره في المنام أصبح يصد عنه مزوراً:
ولا سكنٌ إلا مناجاةُ فكرة ... كأني بها مستحضرٌ كل غائب
ولما رأيت الناس يرْهبُ ... تجنبهم واخترتُ وحدةَ راهب
أحي خيالٌ كنت أحظي بزوره ... له في الكرى عن مضجعي صدَ عاتب
فهل حالَ من شكلي عليه فلم يزُرْ ... قضافة جسمي وابيضاض ذوائبي وسكن قليلا حين ذكر الطيف واستحضر كل غائب - كل ما عرفه بصقلية، فإذا به يذكر الوطن أو السماء التي كان يطلع فيها كوكباً، وعرج على صداقاته ونداماه، ووقف عند الخمر ولم يستطع أن يخفي علينا السبب النفسي الذي حمله على تلك الثورة المستطيرة، وانقلب السكون من جديد إلى صيحة تطير في أذيالها النقمة والأسى، إن سبب تلك الثورة الحانقة معروف لنا حتى ولو لم يصرح به، إنه عجزه عن أن يعود إلى وطنه:
ولو أن أرضى حرةٌ لأتيتها ... بعزم يعد السير ضربة لازب
ولكن أرضى لي بفكاكها ... من الأسر في أيدي العلوج الغواصب
لئن ظفرت تلك الكلاب بأكلها ... فبعد سكون للعروق الضوارب ولقد عرفنا ابن حمديس من قبل يثنى على أعدائه ويصفهم بالشجاعة والقوة، ولكنه في هذه الفورة من الغيظ نسي كل ذلك وأقذع في السب، وهو عفيف اللسان، وعذره العجز وقلة الحيلة التي يصورها قوله " كيف لي بفكاكها من الأسر " - كلمة أسير مقيد في الأصفاد يريد أن يبلغ وطنه فلا يستطيع.
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 248