اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 42
ولوحظ من العادات الزراعية لأهل الفيوم أنهم خرجوا بمطامير غلالهم عن منطقة المساكن وحفروها فوق ربوة عالية بعض الشيء بعيدة عن مساكنهم، ورتبوها في ساحتين ترتفع إحداهما عن مستوى الأخرى بنحو تسعة أمتار[1]. وحفروا كل مطمورة منها على هيئة مستديرة تفاوت قطرها بين القدم وبين الأربعة أقدام، وتفاوت عمقها بين القدم وبين الثلاثة أقدام، وكسوا قاعها وجوانبها بأغشية من الخوص والقش والحصير وأعواد الأثل، كانوا يلصقونها بها بملاط من الطين. واحتفظت مطاميرهم ببقايا نادرة من الحنطة والشعير وبذور الكتان وبذور نباتات أخرى تفحم بعضها وبقي بعضها الآخر بحالة مقبولة حتى الآن[2]. ونشب الجدل حول هذه المطامير بناء على ظاهرتين وهما: أنها تجمعت مع بعضها البعض في منطقتين متقاربتين، وأنها استقلت بنفسها عن منطقة السكن، وذلك على خلاف مطامير مرمدة التي عثر عليها فردية متفرقة بين المساكن أحيانًا وداخل المساكن نفسها أحيانًا أخرى. وحاول الأستاذ هرمان يونكر أن يفسر أسباب الاختلاف بين مطامير الحضارتين، مطامير الفيوم ومطامير مرمدة، فكان من رأيه أن اجتماعها مع بعضها في الفيوم يدل على شيوع الملكية الزراعية ومحاصيلها بين أصحابها، في حين يدل تفرقها في مرمدة على استقلال كل فرد من أصحابها بملكيته الزراعية ومحاصيلها[3]، أو هو يدل على استقلال كل أسرة صغيرة بملكيتها. وقد يزكي فرض شيوع الملكية في الفيوم ما رواه بعض الرحالة عن قدم شيوعية الأرض والقوت لدى بعض الجماعات البدائية المتخلفة، وأن أرض الفيوم كانت ضيقة المساحة نسبيًّا ولا تتيح فرصًا كثيرة للتملك الفردي والأسري. ومع ذلك فثمة فرض آخر أبسط منه وأكثر منطقية وهو أن أهل الفيوم اضطروا إلى الابتعاد بمطاميرهم عن منطقة السكن خوفًا عليها من رطوبتها وانخفاض مستوى أرضها وقربها من شواطئ البحيرة[4]، وأنهم تعمدوا جمع مطاميرهم في مكانتين متقاربين لتسهل عليهم حراستها. [1] Caton Taompson & Gardner, Op. Cit., 41f. Pl. Xxv, 2. [2] Ibid., Pl. Xxxi, 1. F., 46f. [3] Merimde, 1933, 5 F. [4] Caton-Thompson & Gardner, Op. Cit., 91.
في دير تاسا:
مثلت حضارة دير تاسا في مديرية أسيوط حضارات الصعيد في بداية العصر الحجري الحديث، وقد عمل أهلها فيما عمل فيه بقية أهل القطر من حرف متواضعة، ثم امتازوا عمن سواهم بعدة أمور كان منها:
أولًا- أن فخارهم كان أرقى نسبيًّا من فخار أهل المناطق الأخرى التي عاصرتهم، سواء من حيث الشكل أم من حيث الزخرف. فمن حيث الشكل صنعوا بعض كئوسهم على هيئات لطيفة تشبه هيئة زهرة اللوتس أو زهرة التبوليب "بغير ضرورة إلى الظن بأنهم عرفوا هذه الزهرة بالذات وقلدوا صورة كأسها". ومن حيث الزخرف تكونت زخارف هذه الكئوس من مثلثات وأشكال تخطيطية صوروها على سطوحها بطريقتين:
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 42