اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 342
وأضافت الأيام إلى مشاهد أسطورة أوزير وأسرته أخيلة عدة استهوت أذواق أهلها ورمزت إلى خصائص المجتمع في عصور إضافتها، وإن انتهت في مجملها إلى نهايات متماثلة ينتصر الحق فيها على الباطل مهما طال أمد التنازع بينهما. فحادثة قتل ست لأخيه عنوة وإلقائه في ماء ترعة ندية، تهذبت روايتها وصُورت على هيئة مكيدة محبوكة دبرها ست في حفل أقامه في داره، حيث أعد صندوقًا فاخرًا وعد بأنه يهبه لمن يطابق جسمه، فتهافت المدعوون يتمددون فيه، ولما جاء دور أوزير نزله فطابقه، وهنا أطبق أخوه الصندوق عليه وأحكم غطاءه وألقاه في النيل.
وحادثة عثور إيسة على بدن زوجها في أرض مصر، اتسع مجالها فقيل إن النيل احتمل الصندوق حتى مصبه، ثم أسلمه للبحر الأخضر، فاحتمله البحر بدوره حتى ألقاه آمنًا على شاطئ جبيل "في لبنان"، فأظلته هناك شجرة مباركة واحتوته في جوفها. وساحت إيسة في الأرض بحثًا عن أخيها، حتى بلغت جبيل واهتدت إلى الشجرة، واستخلصت الوديعة منها وحملتها إلى مصر، حيث أعادت إلى بدن أخيها روحه وحملت منه، وتسترت معه. ولكن أخاه ست كشف مخبأه ومزقه في هذه المرة شر ممزقة وقطعه اثنتين وأربعين قطعة "وفي رواية أخرى أربع عشرة قطعة" ورمى بكل قطعة في مكان، وذلك يرمز فيها يبدو إلى تمزق وحدة البلاد القديمة وتجزئها إلى عدد من الأقاليم، كما يفسر تعدد مزارات أوزير التي قامت على أجزائه الموزعة في كافة هذه الأقاليم[1].
وأصبح الرواة كلما ألمت ببلدهم مصيبة وتعرضت لغزو من آسيا عبر صحراواتها رمزوا إلى هذه المصيبة رمزًا في أساطير عقيدتهم وربطوا بينها وبين مكائد ست وإيحاءاته. وظنوا مثل هذا الظن بالنسبة للهكسوس الذين أتوا من آسيا وعبدوا ست فعلًا وحاربوا تحت رايته، وظنوه كذلك بالنسبة للفرس الذين اغتصبوا عرشهم واستهانوا بمعابدهم ومذاهبهم ولم يحترموا موتاهم وحاربوا أبطال القومية الساعين إلى تحرير وطنهم وأدمجت كل هذه الشرور رمزًا في أساطير وتمثيليات تبناها معبد أوزير في أبيدوس واحتفظت بها بعض البرديات المتأخرة2، وقد خدمت غرضين: غرض إرضاء السامعين والمشاهدين بالرمز إلى استمرار مشكلات ست ضد أوزير وأسرته، وغرض ترديد اللعنات باسم الدين والقومية على الأعداء الأجانب الذين سمح ست لهم باجتياز أراضيه الآسيوية وإيذاء مصر في كرامتها وتقاليها. ولو أن هذه الدعوى ضد ست لم تمثل في واقع الأمر غير وجهة نظر واحدة، وهي وجهة نظر المتحيزين لعبادة أوزير وأسرته، ولم تمنع أنصار ست من المصريين من أن يعتبروه ربًّا قادرًا فاضلًا يرسل العواصف لكي تبشر بالمطر، ويستخدم طاقته الحربية في نصرة مصر وجيوشها، ويستخدم قوته السحرية في حماية رب الشمس ومركبه، بل ويأخذ بناصر أخيه أوزير في الآخرة. [1] Plutarch, De Iside…, Xii-Xix; Sethe, Zaes, Xlv, 12 F.; Guenth-Agloueft, Rev. D’eg.; 1933, 197 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 342