اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 341
عليه لفترة من الوقت، وحطت عليه كما يحط الطائر، فحملت منه حملًا ربانيًّا، ووضعت منه طفلها "حور" "أو حورس كما شهره الإغريق"، وربت طفلها خفية في أحراج الدلتا، وعاوتها كائنات عدة على كفالته، فأرضعته بقرة، ورعته معها سبع عقارب، ثم عادت إيسة فشهرت بست الغاصب القاتل بين الأرباب والناس، وكادت له عدة مرات، وعندما شب ولدها سريعًا، كما يشب أبناء الأساطير الذين لا يخضعون في نموهم لحكم المنطق والزمن، تعاونت هي وأختها نبت حت على تجديد المناحة على أوزير الشهيد واستثارة الحلفاء من أجل ثأره. وعهدوا بزعامتهم لولدها حور، ودعوه "المنتقم لأبيه"، وتجمع معه زعماؤهم وأربابهم تحت إشراف أكبر رعاة الحرب فيهم "وبواوت"[1]. وطالت المواقع بينهم وبين ست وأنصاره حتى فقد حور عينه وفقد ست خصيته، ثم توقف القتال لهدنة قصيرة، استغلها أنصار حور لعرض الأمر على أرباب الدولة الحكماء، أصحاب القضاء في عين شمس "أو في منف"، وجاءوا معهم ببدن شهيدهم أوزير ليكون أية صريحة على ما حل به من غدر. وأقام حور الدعوى باسم أبيه، فأدان القضاء ست بالاعتداء على أخيه، ولكن ست أنكر أنه بدأ بالشر، وادعى أن أوزير هو الذي تحداه ونزل أرضه، فأبى القضاء الأخذ بدعواه، وبرءوا أوزير من تهمة البدء بالعدوان، واعتبروه "ماع خرو" أي مبرأ، أو صادق التعبير. ولما لم يكن له في الدنيا غاية، بعد أن برئت ساحته وأدين خصمه، انتقل إلى أسفل الأرض، ومارس سلطانه على ملكوت الموتى، وعاود نشاطه، فاستمر يدفع الماء من تحت الأرض، ويدفع الخصب إلى التربة وينمي الحب، أو هو بمعنى آخر، ظل يقيم الأدلة على حيويته وقدرته، فيظهر على هيئة النبت الأخضر في مواسم النبات، ويظهر على هيئة الماء الدافق في مواسم الفيضان.
وهكذا انتهت الأسطورة بتغليب الحق وبقاء الخير، والإيمان بعدالة الأرباب، وتبرير أسباب تقديس أوزير تحت الأرض، وتفسير القدرة الربانية في دفع الفيضان وتجدد الخصب وإنماء الحب والزرع. وكانت مشاهدها مما يمكن تمثيله بسهولة في المعابد والقصور، وفي مواسم معينة ترمز إلى بعث أوزير وغلبة الخصب على الجفاف وتغلب الخير على الشر. ويستفاد من نصوص إيخر نفرة أحد كبار موظفي الخزانة في عصر الأسرة الثانية عشرة أن الأسطورة كانت تمثل في العيد الأكبر للإله أوزير بمعبد أبيدوس، وأن تمثيلها كان يستغرق عدة أيام قد تصل إلى ثمانية، ويمثل فصل منها في كل يوم، ويشارك فيها جمهور من حجاج المعبد[2]. ويبدو أن أحداثها التي رويناها عن متون متفرقة من متون الأهرام والتوابيت وشواهد أخرى تضمنها المذهب المنفي، لم تكن من بنات الخيال برمتها، وإنما كانت فيما يغلب على الظن رموزًا لأحداث قومية بعيدة سبق أن مهدنا بأخبارها لمراحل قيام وحدة مصر التاريخية "ص65"، ولا يخلو من دلالة أنه على الرغم من ضراوة النزاع بين أوزير وست، أو بمعنى آخر بين رب الوجه البحري ورب الصعيد، فقد اعتبرتهما الأسطورة أخوين دائمًا اعترافًا فيما يبدو بصلة القربى بين الوجهين وانتسابهما إلى وطن واحد. [1] Pyr. 1004 C-F.; 2190; Jea, 1944, 52 F.; Sethe, Urgeschichte, 191; Unters., Iii, 12-16. [2] H. Schaefer, Die Mysterien Des Osiris In Abydos, 1904; Wilson, Anet, 1955, 329-330.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 341