responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 332
وبلغت الدعوة غايتها حين خرجت بدينها عن الإقليمية إلى العالمية، ونادت بإله رحيم في كل أمره، محبوب في كل أمره، خلق الكون عن حب ورغبة، واقتضت عدالته أن ينتفع القريب والبعيد بفضله، وتنبسط آلاؤه بانتشار أشعته في أقطار الدنيا بأسرها، دون تفرقة فيها بين أبيض وأسود، فلم لا يجتمع الناس إذن على عبادته كما اجتمعوا على النفع منه؟ وقال آخناتون يسبح ربه:
"رب أحد دون شريك، برأت الدنيا وكنت فردًا.
خلقت البشر والأنعام، وكل ما يسعى على الأرض بقدم، ويحلق بجناح في الفضاء.
وأقطار سوريا والسودان وأرض مصر، وجهت كل فرد فيها إلى موطنه، ودبرت للجميع شئونهم، فأصبح لكل فرد رزقه وتعين لكل فرد أجله، وظلت الألسنة بينهم في النطق متباينة والهيئات والألوان متمايزة.
آتون يا ضوء النهار، يا عظيم المجد، بلدانا نائية تهبها الحياة وترسل الغيث من أجلها،
يموج الغيث فوق الجبال كالبحر الخضم ويسقي الحقول بين القرى.
ما أجل تدبيرك رب الخلود، فيضان في السماء لأهل القفار وحيوان الفلا وما يدب على قدم، وفيضان سواه لأرض مصر يأتي إليها من دنيا العدم"[1].
وهكذا لم يجد آخناتون بأسًا من أن يذكر اسم مصر العظيمة بعد ذكره الشام والسودان، ما دام الخالق الرازق واحدًا، رحيمًا هنا رحيمًا هناك، جوادًا هنا منعمًا هناك، خلق الجميع على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ومواطهنم، وتكفل برزقهم، وكان معجزًا حين وهب مصر فيضانًا من باطن الأرض، كريمًا حين وهب غيرها فيضانًا من جوف السماء.
وتزعم آخناتون مجالس الدعوة وأعلن نفسه نبيها والمصطفى لنشرها، واصطفى لنفسه حواريين يعلمهم كما علمه الإله[2]. ورأى أن تشييد دور العبادة خير سبيل لنشر الدعوة، فعمل على الإكثار منها باسم آتون في أمهات المدن المصرية، وأوحى بإقامة أمثالها في عواصم النوبة والشام. وجعل مدينته "آخيتاتون" مدينة فاضلة تعمل للدين والدنيا معًا، تبشر بالإيمان السمح المستبشر، وتشيد بالعدل في كل أمره، وتتردد تسابيح الشكر والصلوات لآتون في معابدها، كما تتردد الأغاني والأنعام وأهازيج حب الطبيعة والجمال في مجالسها.
وعكس هو وأتباعه جوهر الدعوة على الآداب والفنون، فحاولوا أن يخلصوهما من ركام التقاليد وقيود التراث القديم التي لا توائم دعوة التحرر والاعتراف بالواقع في عهدهم، فتخففوا من أساليب الأدب المتقعرة القديمة وغلبوا عليها لغة الحديث المقبولة الشائعة. وبدأ آخناتون بنفسه في دعوة تحرير الفنون،

[1] Davies, El-Amarna, Vi, Pl. Xxxvii; Sandman, Texts From The Time Of Akhenaten, 1938, 93 F.; Ii, 5-6; 12, 10; 15, 7, Etc…
[2] Ibid., I, 7 F., 60, 6; 80, 17 F.; 92, 8-9. Cf. Zaes, 1967, 25-50.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 332
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست